القوم مدبرين، وأخذ منهم أحد عشر رجلا، وإحدى وعشرين امرأة، وثلاثين صبيًا، وساقهم إلى المدينة، فأنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رملة بنت الحارث.
وقدم فيهم عشرة من رؤسائهم، فجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا بصوت عال: يا محمد اخرج إلينا فخرج فتعلقوا به، وجعلوا يكلمونه، فوقف معهم، ثم مضى حتى صلى الظهر، ثم جلس في صحن المسجد، فأظهروا رغبتهم في المفاخرة والمباهاة، وقدموا خطيبهم عطارد بن حاجب فقال: الحمد لله الذي له الفضل علينا والذي جعلنا ملوكًا، وأعطانا الأموال نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم مالًا وأكثرهم عددًا، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برءوس الناس وذوي فضلهم؟ فمن يفاخر فليعدد مثل ما عددنا، ولو شئنا لأكثرنا من الكلام، ولكنا نستحيي من الإكثار فيما أعطانا الله أقول قولي هذا لأن نؤتى بقول هو أفضل من قولنا.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس، خطيب الإسلام، فأجابهم وقال: الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كل شيء علمه، فلم يكن شيء إلا من فضله، ثم كان ما قدر أن جعلنا ملوكًا اصطفى لنا من خلقه رسولا، أكرمهم نسبًا، وأحسنهم زيًا، وأصدقهم حديثًا، أنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، وكان خيرته من عباده، فدعا إلى الإيمان فآمن المهاجرون من قومه وذي رحمه، أصبح الناس وجهًا، وأفضل الناس فعالا، ثم كان أول الناس إجابة حين دعا رسول الله، فنحن أنصار الله ورسوله، نقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر بالله ورسوله جاهدناه في ذلك، وكان قتله علينا يسيرًا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات١.
ثم قدموا شاعرهم الزبرقان بن بدر فأنشد مفاخرًا، فأجابه شاعر الإسلام حسان بن ثابت على البديهة.
ولما فرغ الخطيبان والشاعران قال الأقرع بن حابس: خطيبه أخطب من خطيبنا،