للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه". حتى قيل: يا رسول الله! قد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره، فقال: "دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فلقد أراحكم الله منه". وتلوم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيًا، ونزل رسول الله في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كن أبا ذر". فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده" ١.

وولى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة "سباع بن عرفطة رضي الله عنه" وخلف معه علي بن أبي طالب على أهله، وعقد الألوية والرايات، فدفع اللواء الأعظم لأبي بكر، والراية الكبرى للزبير بن العوام، وأمر صلى الله عليه وسلم كل من خرج معه باتخاذ لواء أو راية.

وأخذ الجيش الإسلامي يتحرك من ذات الثنية باتجاه الشام.

وهنا برز أصحاب النفاق وانسحبوا من ذي الثنية ورجعوا إلى المدينة، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي وأشياعه.

وقالوا: يحسب محمد صلى الله عليه وسلم أن قتال بني الأصفر -الروم- للعب؟

ونافق آخرون وهم الأعراب الذين أخذوا يتخلفون عن الجيش معتذرين بأسباب واهية كاذبة.

وكان تخلفهم رحمة بالمؤمنين الصادقين, ولذلك كان صلى الله عليه وسلم كلما أخبره أصحابه بتخلف فلان يقول: "دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه".

وسار الجيش إلى تبوك، بعدما تخلص من المنافقين وضعاف الإيمان، وقد بلغ عدده ثلاثين ألفًا.

وعندما وصل المسلمون إلى "ذي خشب" وهو جبل يقع شمال المدينة قريبًا منها أخذ صلى الله عليه وسلم يصلي والمسلمون معه الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعًا، يؤخر الظهر حتى تدبر


١ سيرة النبي ج٢ ص٥٢٣.

<<  <   >  >>