في العالم كله بواسطة منهج رباني خالص حدد الإسلام معالمه، وبين غاياته ومراميه.
ومع هذا أبى جبابرة الأرض أن يواجهوا الدعوة بالدعوة، والحجة بالحجة، والرأي بالرأي, وإنما بدءوا باضطهاد من يدعونهم، وقتل من يكلمهم، ووضعوا سياجًا يمنع الدعوة من الحركة والانطلاق. ولم يكن موقفهم هادئًا, ولم يكتفوا بالحديث مهما كان توجهه ومستواه. وإنما اعتمدوا على القتل والأذى، ولم يفرقوا في عدوانهم بين كبير وصغير، ولا بين رجل وامرأة، واستمروا في مباشرة العدوان وتصعيده حتى أجبروا المسلمين على الهجرة وترك الديار إلى أماكن لا عهد لهم بها كالحبشة والمدينة، ولم يترك الأعداء المسلمين أحرارًا حتى في مواطن هجرتهم، وإنما تتبعوهم بالعدوان، ولاحقوهم بالأذى ودبروا المؤامرات لاغتيار رسول الله صلى الله عليه وسلم وقهر المسلمين وجيشوا الجيوش لقتل المسلمين في دارهم, وكان أملهم هو القضاء التام على المسلمين، وإطفاء نور الله في الأرض.
وبتحقق هذه الأمور في عالم الواقع يظهر أن مشروعية الجهاد جاءت بعد استنفاد كافة الوسائل التي يتصورها العقل لصيانة الحقوق، وضمان الخير للناس.
وقد شرع الله الجهاد لرد العدوان، ومنع الأذى، وتحقيق وضع يحقق الاستقرار للدعوة وللناس، ويصون الكرامة، ويحمي الحقوق، وذلك أمر تدعو إليه المواثيق الدولية القديمة والمعاصرة وتعمل له.
ولذلك كان تشريع الجهاد ضرورة عامة، ووحيدة بعد ما استنفد المسلمون كافة الطرق للتعامل مع أعدائهم الذين بدءوهم بالأذى، ولاحقوهم بالعدوان، ولم يسمعوا لهم كلمة، ولم يناقشوهم بحجة.
لو لم يشرع الله الجهاد وتركه المسلمون لتمكن المشركون من كل مسلم، ولقضوا على المسلمين ودينهم.
ولو لم يشرع الجهاد لاستمرت البشرية في ظلمات الجهل، وسوءات القهر والاستعباد.
ومن هنا ندرك ضرورة تشريع الجهاد، وسبب تكليف المسلمين به، وأهمية