كله، لما فيه من خير وصلاح، يؤكد هذا الأمر ما نراه دائمًا من إسلام عديد من الناس وهم بين أقوام غير مسلمين وفي ثنايا قوة تحارب الإسلام، وما ذلك إلا لاقتناعهم التام الذي جعلهم يتركون دين آبائهم، ويهاجرون بعد إسلامهم إلى المسلمين وديار الإسلام ليقوموا بواجب الأمانة التي تحملوها بإسلامهم.
ولا يمكن القول بأن الجزية تمثل إكراهًا ماديًا، يدفع الفقراء إلى الإسلام ليبتعدوا عنها. لا يقال ذلك لأن المسلم يدفع أضعاف هذه الجزية حين يؤدي ما عليه من واجبات دينية مثل دفع الزكاة، وأداء صدقة الفطر، وتحمل مغارم الكفارات العديدة، في الوقت الذي يعفى فيه دافع الجزية من الاشتراك في الجهاد، وعمليات تأمين الأمة، بينما المسلم يقوم بذلك على وجه الوجوب والفرضية.
ج- الجانب الباطني في الإنسان لا يعلمه إلا الله تعالى، وارتباط الإيمان في الإسلام بهذا الجانب تأكيد واضح على ضرورة الحرية للاقتناع والإيمان.
إن النفاق لا يغني من الحق شيئًا، والمنافق خطر على الإسلام أكثر من خطورة الكافر، لأن المنافق عدو خفي، والكافر عدو ظاهر، والعدو الخفي ضرره أكثر، وإيذاؤه أشد.
ويوم أن ظهر المنافقون في المدينة حذر الله منهم وبين للرسول صلى الله عليه وسلم مظاهرهم، ومواطن الخطر من قبلهم فقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} ١.
والآيات واضحة الدلالة على سلوك المنافقين السيئ، فلقد كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويحدثونه بألسنتهم حديثًا مخالفًا لما في قلوبهم، وينطقون بكلمة الحق مع أنهم لا يقرون بها،
١ سورة المنافقون الآيات: ١-٤.