للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت له: هل أنت حالب؟

قال: نعم.

فأخذ شاة من غنمه فقلت له: انفض الضرع.

فحلب كثبة من لبن، ومعي إداوة من ماء عليها خرقة قد روأتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصببت على اللبن حتى برد أسفله، ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت.

ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله.

قال: "بلى". فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له.

فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله.

فقال: "لا تحزن إن الله معنا" ١.

والحديث واضح الدلالة في دور أبي بكر خلال رحلة الهجرة، فلقد كان رضي الله عنه يبحث لرسول الله عن ظل عند الظهيرة يأوى إليه، ويسوي له المكان، وكان يقوم بحراسة النبي صلى الله عليه وسلم، ويراقب له الطرق، وكان يعد له الطعام، ويبرد له الشراب، ويسقيه اللبن، وكان دائم الخوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان يلتفت كثيرًا والرسول يقول له: "لا تحزن إن الله معنا"، وكان أبو بكر شيخًا معروفًا للعرب، مصدقًا لديهم يقابله أحدهم ويسأله: من هذا الرجل الذي معك؟

فيرد أبو بكر: هذا الرجل يهديني الطريق. فيظن السائل أنه طريق المدينة، بينما هو طريق الإسلام والرجل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم٢.

لقد قام أبو بكر رضي الله عنه بدوره خير قيام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة، وكان حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يملك عليه جوارحه وحياته كلها، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مرة وقال: "إن من أمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت

متخذًا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام ومودته"٣.

يذكر عمر بن الخطاب ليلة الهجرة فيقول: والذي نفسي بيده لتلك الليلة لأبي بكر خير من آل عمر٤.


١ صحيح البخاري كتاب المناقب، باب الهجرة ج٦ ص٢١٩، ٢٢٠.
٢ صحيح البخاري كتاب المناقب ج٦ ص٢١٥ ط الأوقاف.
٣ صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ج٦ ص٧٩ ط الأوقاف.
٤ سيرة ابن كثير ج٢ ص٢٣٧.

<<  <   >  >>