وتحددت سمة المجتمع المسلم، وطريقته في التعامل مع أتباعهم، وغيرهم، على اختلاف مذاهبهم، واتجاههم، ومواطنهم.
إن دراسة العهد المدني طويلة عميقة، وتحتاج إلى القراءة الواسعة والتأمل الواعي، والاستنباط القائم على العلم والفهم, وهذا ما سأحاوله معتمدًا على الله تعالى، مؤملا في توفيقه، وبخاصة أن مقصدي إبراز الإسلام جليًا، نقيًا، وإظهار المسلمين في مجتمعهم العظيم، الذي نباهي به الدنيا على الزمن كله، ونرجوه مرة أخرى ليعود المسلمون إلى مجدهم وعزهم في وقت كثرت فيه معاول النقد، وتعددت طرق الهجوم على الإسلام.
إن المجتمع الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة -مع مثاليته- يتهمه الحاقدون بالتخلف، والرجعية، والعدوانية، ويفضلون عليه مجتمع الاختلاط، والعري، وبروز الفوضى، والخلق الرديء، مع محاولة إلباسه أثوابًا لا تليق به، بدعوى التجديد، والتنوير، والنهضة بطرق ملتوية لا تبغي إلا الهدم والفساد.
والعقيدة التي عاشها المسلمون الأوائل كانت يقينًا يتحكم في عملهم، وشريعة تنظم سلوكهم وخلقًا يحمل جوانب الحياة.
هذه العقيدة التي صنعت الجماعة الأولى معرضة اليوم لفصلها عن حركة الحياة بدعوى أنها الدين، وليست هي الدنيا.
والشريعة الشاملة التي حكمت الحياة الإسلامية الأولى يعمل الأعداء على أن يُستبدل بها قانون البشر رغم تناقضه، وقصوره.
وها هي الأخلاق الإسلامية تغيب عن واقع الحياة حتى لا نراها إلا نادرًا بين الناس مع أن الحياة بها تكون جميلة، وسلسلة، وطيبة.
من كان يتصور أن عاقلا من الناس يرى البغاء حرية، وانتهاك الحرمات حضارة والإفساد في الأرض باسم التنوير، والحداثة تقدمًا، والتمتع المحرم أمورًا شخصية للإنسان أن يفعلها، ويعيش بها متى أراد.