فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة، وللآخر اذهب إلى أبي طلحة ثم دعا الله قائلا: اللهم خر لرسول الله، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله.
فلما فرغ الصحابة من جهاز رسول الله يوم الثلاثاء وضع سريره في بيته، وقد اختلف المسلمون في دفنه فقال قائل: ندفنه في مسجده.
وقال قائل: بل ندفنه مع أصحابه.
فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض". فرفع فراش رسول الله الذي توفي عليه فحفر له تحته.
ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا يصلون عليه عشرًا عشرًا، حتى إذا فرغ الرجال دخل النساء، حتى إذا فرغ النساء دخل الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله أحد وقاموا بدفنه صلى الله عليه وسلم والنساء عنه بعيد تقول عائشة رضي الله عنها: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل من ليلة الأربعاء.
وكان الذين نزلوا في قبره علي بن أبي طالب والفضل وقثم بن العباس، وشقران مولاه وأوس بن خولى، وجعلوا تحته صلى الله عليه وسلم قطيفة كان يلبسها ويفترشها، وكان آخر الناس عهدًا به قثم بن عباس.
وبعد مدة ذهب أبو بكر وعمر لزيارة أم أيمن رضي الله عنها كما كان رسول الله يفعل فلما رأتهما بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله.
قالت: والله ما أبكي أن لا أكون أعلم ما عند الله خير لرسوله، ولكني أبكي لأن الوحي انقطع من السماء, فهيجتهما على البكاء فأخذا يبكيان١.
وهكذا..
انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى وترك من ورائه أمته تحمل الأمانة، وتقدر المسئولية, وتعلم عن يقين أن الله تعالى سيحاسبها بميزان الوحي الذي تركه صلى الله عليه وسلم في
١ صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل أم أيمن ج١٦ ص٩، ١٠.