للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقال إن أبا أيوب بعد هذه الحادثة ألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسكنه العلو١.

وقد تكفل أهل المدينة بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجهيز طعامه وشرابه، وتحقيق كل ما يحتاج إليه، يهدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حبًا، وتقديرًا.

ولقد كان أبو أيوب يصنع له الطعام، ويقدمه، وينتظر فضله ليأكله.

يقول زيد بن ثابت: لقد كنا في بني مالك بن النجار، ما من ليلة إلا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت أبي أيوب ثلاث، أو أربع جفان، وما كانت تخطئه.

جفنة سعد بن عبادة، وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة٢.

وكان الأنصار يتحرون الطعام الذي يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعداده له فبرغم أنه صلى الله عليه وسلم لم يعب طعامًا، ولم يأمر بطعام، فإنهم لاحظوا إقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوع من المرق يسمى "الطفيشل" وعلى الهريس ولذلك كانوا يكثرون له صلى الله عليه وسلم منهما.

وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل وحده، وإنما كان يطعم معه من أصحابه عددًا يتراوح بين خمسة إلى ستة عشر رجلا، حسب كمية الطعام المهدى إليه.

وهكذا عاشت المدينة حياة البهجة، والسرور، وقدرت الخير الذي وفد عليها وأقبلوا على الإسلام فهمًا وعلمًا، وتطبيقًا, وشعروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم بخيري الدنيا والآخرة، فسعدوا بهجرته، وأنزلوه فيهم منزلة الروح والعقل، وجعلوا حبه فوق حبهم لأنفسهم، فهو وهم معه برسالته يعيشون الإسلام نقيًا واضحًا.

وفي نفس الوقت تقوقع الكفار والمنافقون واليهود في المدينة، وأدركوا أن دولتهم قد انهارت، ولا سلطان لهم في المدينة بعد اليوم, وعبر بعضهم عما في قلبه من حقد وغضب، ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في أن ينزل على سيد الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول فقال له عبد الله: اذهب إلى الذين دعوك فانزل إليهم ورفض أن ينزله عنده كراهية له.

ولم يأبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المعارضة من أهل الشرك والنفاق فهي معارضة ضعيفة خائفة ... وأنى تلك المعارضة مما كان يراه في مكة!!

ولقد اعتذر الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن موقف أبي، وبينوا له أن سببه ضياع المجد الذي كان يأمل فيه٣.

ومن الملاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلب من أحد أن ينزل عليه إلا ابن أبي، ولعلها حكمة قدرها الله تعالى لرسوله ليعلم طبائع الناس، وبخاصة هؤلاء الذين أضيروا بظهور الإسلام.


١ الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني ج٢٠ ص٢٩٣.
٢ إمتاع الأسماع ج١ ص٤٧.
٣ كان الأوس والخزرج يتفاوضون في جعل عبد الله بن أبي ملكًا عليهم، وكادوا أن يملكوه، فلما أسلموا وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ضاعت المملكة على ابن أبي فعاش بحقده منافقًا.

<<  <   >  >>