لِامْرَأَتِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَأَرَادَ الطَّلاقَ، طَلُقَتْ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الطَّلاقَ لَمْ تَطْلُقْ فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلاقِ لأَنَّ التَّصْرِيحَ لا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْعِتْرَةِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي إخْبَارِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَدَدِ الشَّهْرِ تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا لِلاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْعَدَدِ بِالإِشَارَةِ بِالأَصَابِعِ وَاعْتِبَارِهِ مِنْ دُونِ تَلَفُّظٍ بِاللِّسَانِ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتَ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلاثٍ مِنْ أَصَابِعِهِ كَانَ ذَلِكَ ثَلاثًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الطَّلاقَ يَتْبَعُ الطَّلاقَ.
وَأَوْرَدَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ وَحَدِيثَ قُتَيْلَةَ لِلاسْتِدْلالِ بِهِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ، كَانَ كَالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ لأَنَّ الْمَحَلَّ لا يَقْبَلُ غَيْرَهَا فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ لَغْوًا، بِخِلافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ، وَقَعَتْ عَلَيْهَا الطَّلْقَةُ الأُولَى فِي الْحَالِ، وَوَقَعَتْ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ قَابِلَةً لَهَا، وَذَلِكَ لأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ إذَا جَاءَ بِهَا مُوقِعٌ لِمَجْمُوعِ الطَّلاقَيْنِ عَلَيْهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلافِ (ثُمَّ) فَإِنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ مَعَ تَرَاخٍ، فَيَصِيرُ الزَّوْجُ فِي حُكْمِ الْمُوقِعِ لِطَلاقٍ بَعْدَهُ طَلاقٌ مُتَرَاخٍ عَنْهُ. إِلَى أَنْ قَالَ: هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي بَيَانِ وَجْهِ اسْتِدْلالِ الْمُصَنِّفِ بِحَدِيثَيْ الْمَشِيئَةِ وَحَدِيثِ الْخُطْبَةِ. انتهى.
قَالَ فِي الْمُقْنِعِ: إِذَا قَالَ لِمَدْخُولٌ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ إِلا أَنْ يَنْوِي بِالثَّانِيةِ الْتَأْكِيد أَوْ إِفْهَامهَا، وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ بَلْ طَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَة بَلْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ بَلْ طَلْقَة، أَوْ طَالِق طَلْقَة بَعْدَهَا طَلْقَة، أَوْ قَبْل طَلْقَة، طلقت طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٌ بِهَا بَانَتْ بِالأُولَى وَلَمْ يَلْزِمْهُ مَا بَعْدَهَا، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَة مَعَهَا طَلْقَة، أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ، أَوْ طَالِق وَطَالِق طلقت طَلْقَتَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْحَاشِيةِ: قَوْلُهُ: أَوْ طَالِق وَطَالِق هَذَا الْمَذْهَبُ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِق وَطَالِق طلقت ثَلاثًا، وَسَوَاء فِي ذَلِكَ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرِهَا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالليْثُ وَرَبِيعَةُ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ الْثَوْرِي وَالشَّافِعِيُّ: لا يَقَعُ إِلا وَاحِدَة لأَنَّهُ أَوْقَعَ الأَوُلَى قَبْل الثَّانِية، فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْء آخَر، وَلأَنَّ الْوَاو تَقْتَضِي الْجَمْع وَلا تَرْتِيب فِيهَا فَيَكُون موقعًا لِلثَّلاثِ جَمِيعًا فَيَقَعْنَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثًا أَوْ طَلْقَة مَعَهَا طَلْقَتَانِ، وَيفَارق مَا إِذَا فَرَّقَهَا فَإِنَّهَا لا تَقَع جَمِيعهَا. انْتَهَى. وَبِهَذَا يَظْهَرُ مُرَادُ الْمُصَنَّفِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَأَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ حُكْمُ الطَّلاقِ؛ لأَنَّ خَطَرَاتِ الْقَلْبِ مَغْفُورَةٌ لِلْعِبَادِ إذَا كَانَتْ فِيمَا فِيهِ ذَنْبٌ، فَكَذَلِكَ لا يَلْزَمُ حُكْمًا فِي الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ، فَلا يَكُونُ حُكْمُ خُطُورِ الطَّلاقِ بِالْقَلْبِ أَوْ إرَادَتِهِ حُكْمَ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَهَكَذَا سَائِرُ الإِنْشَاءَاتِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالطَّلاقِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ. انْتَهَى. وَاللهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute