الْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا كَانَ مِنْهُ تَطَوُّعًا وَمَا كَانَ فَرْضًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} . وَلَمْ يُفَصِّلْ وَالتَّمَسُّكُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الزَّكَاةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ لَا يَنْتَهِضُ لِتَخْصِيصِ هَذَا الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ شَرْعَ الزَّكَاةِ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ فَصَرْفُهَا إلَى الْمَالِكِ إخْرَاجٌ لَهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَلَيْسَ شَرْعُ
الدِّمَاءِ كَذَلِكَ،؛ لِأَنَّهَا إمَّا لِجَبْرِ نَقْصٍ أَوْ لِمُجَرَّدِ التَّبَرُّعِ فَلَا قِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا تَخْصِيصَ.
بَابُ أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِذَلِكَ
٢٧٠٣- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهْدِي مِنْ الْمَدِينَةِ فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
٢٧٠٤- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي ثُمَّ قَلَّدَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ. أَخْرَجَاهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (إنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) وَقَعَ التَّحْدِيثُ بِهَذَا فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَمَا كَانَ يُقَالُ لَهُ إلَّا زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ نِسْبَتِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَمَا وَقَعَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّمَا هُوَ تَقِيَّةٌ، وَذَكَرَ أَهْلُ الْأُمَّهَاتِ نِسْبَتَهُ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فِي كُتُبِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ لَمْ يُؤَلِّفُوهَا إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ بَنِي أُمَيَّةَ مُحَافَظَةً مِنْهُمْ عَلَى الْأَلْفَاظِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ الرُّوَاةِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ. وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ.
بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ
٢٧٠٥- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ وَإِنَّهُ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute