عَنْهَا فَإِنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ الْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاضٍ عُذِّبَ بِالتَّوْبِيخِ كَيْفَ أَهْمَلَ النَّهْيَ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحْتَاطَ فَنَهَى أَهْلَهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ خَالَفُوهُ وَفَعَلُوا ذَلِكَ كَانَ تَعْذِيبُهُ تَأَلُّمَهُ بِمَا يَرَاهُ مِنْهُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ فَاطِمَةَ جَوَازُ ذِكْرِ الْمَيِّتِ بِمَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ إنْ كَانَ مَعْلُومًا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَيْسَ هَذَا مِنْ نَوْحِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْكَذِبِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ نُدْبَةٌ مُبَاحَةٌ.
بَابُ الْكَفِّ عَنْ ذِكْرِ مَسَاوِئِ الْأَمْوَاتِ
١٩٥٦- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
١٩٥٧- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ» ظَاهِرُهُ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَدْ خُصِّصَ هَذَا الْعُمُومَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ثَنَائِهِمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ: «وَجَبَتْ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ» . وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: إنَّ السَّبَّ يَكُونُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَيَمْتَنِعُ إذَا تَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ الْمُسْلِمُ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَحَيْثُ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ كَأَنْ يَصِيرَ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَجِبُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَقَدْ تَكُونُ مَصْلَحَةً لِلْمَيِّتِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْوَجْهُ تَبْقِيَةُ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ كَالثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالشَّرِّ وَجَرْحِ الْمَجْرُوحِينَ مِنْ الرُّوَاةِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَذِكْرِ مَسَاوِئِ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيرِ عَنْهُمْ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَالْمُتَحَرِّي لِدِينِهِ فِي اشْتِغَالِهِ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ نَشْرِ مَثَالِبِ الْأَمْوَاتِ، وَسَبِّ مَنْ لَا يَدْرِي كَيْفَ حَالُهُ عِنْدَ بَارِئِ الْبَرِّيَّاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute