بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا أَوْ طَبَخَهَا
٣١٤٩- عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الأَنْصَارِ أَخْبَرَهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ، فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ، ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا، فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فَمِهِ ثُمَّ قَالَ: «أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا» . فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْسَلْت إلَى الْبَقِيعِ يَشْتَرِي لِي شَاةً فَلَمْ أَجِدْ، فَأَرْسَلْت إلَى جَارٍ لِي قَدْ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إلَيَّ بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجِدْ، فَأَرْسَلْت إلَى امْرَأَتِهِ، فَأَرْسَلَتْ إلَيَّ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَطْعِمِيهِ الأُسَارَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ.
٣١٥٠- وَفِي لَفْظٍ لَهُ: ثُمَّ قَالَ: «إنِّي لَأَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ ذُبِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا» . فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخِي، وَأَنَا مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ خَيْرًا مِنْهَا لَمْ يُغَيِّرْ عَلَيَّ، وَعَلَيَّ أَنْ أُرْضِيَهُ بِأَفْضَلَ مِنْهَا، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَأَمَرَ بِالطَّعَامِ لِلأُسَارَى.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إجَابَةِ الدَّاعِي وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً وَالْمَدْعُوُّ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا إذَا لَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ مُسَاوِيَةٌ أَوْ رَاجِحَةٌ، وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ظَاهِرَةٌ لِعَدَمِ إسَاغَتِهِ لِذَلِكَ اللَّحْمِ وَإِخْبَارِهِ بِمَا هُوَ الْوَاقِعُ مِنْ أَخْذِهَا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا وَفِيهِ تَجَنُّبُ مَا كَانَ مِنْ الْمَأْكُولاتِ حَرَامًا أَوْ مُشْتَبِهًا، وَعَدَمُ الِاتِّكَالِ عَلَى تَجْوِيزِ إذْنِ مَالِكِهِ بَعْدَ أَكْلِهِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ مَا كَانَ كَذَلِكَ إلَى مَنْ يَأْكُلُهُ كَالأُسَارَى وَمَنْ كَانَ عَلَى صِفَتِهِمْ وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلِاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى حُكْمِ مَنْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا أَوْ طَبَخَهَا كَمَا وَقَعَ فِي التَّرْجَمَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، فَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَاسِمِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ طَلَبِ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ كَمَا هِيَ وَعَدَمِ لُزُومِ الأَرْشِ؛ لأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَسْتَهْلِكْ مَا يَنْفَرِدُ بِالتَّقْوِيمِ وَحُكِيَ عَنْ الْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَالنَّاصِرِ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْعَيْنَ مَعَ الأَرْشِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الأُذُنَ وَنَحْوَهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيمَةِ أَوْ الْعَيْنِ مَعَ الأَرْشِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute