الصَّحابةَ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِِحُجَّة على أَحَد والْحُجَّةُ مَا جَاءَنَا عَنْ الشَّارِع وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ الْهِلَالِ
إذَا رَآهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ هَلْ يَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْبِلَادِ الصَّوْمُ
٢١١٦- عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ
لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانَ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ اسْتَهَلَّ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَدْ تَمَسَّك بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ هَذَا مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ بَلَدٍ رُؤْيَةُ أَهْلِ بَلَدٍ غَيْرِهَا. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ رُؤْيَةُ غَيْرِهِمْ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ بَلَدٍ رُؤْيَةُ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَيَلْزَمُ كُلُّهُمْ، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهَا إنْ تَقَارَبَتْ الْبِلَادُ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَإِنْ تَبَاعَدَتْ فَوَجْهَانِ؛ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. إِلِى أَنْ قَالَ: سَادِسُهَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَتَانِ ارْتِفَاعًا وَانْحِدَارًا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا، فَإِنْ اتَّفَقَتْ لَزَمَ وَإِلا فَلا، وَهُوَ الأَصَحُّ للشّافِعِيَّةِ، وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute