قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «الآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خُلُوصَ الْمَيِّتِ مِنْ وَرْطَةِ الدَّيْنِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَرَفْعُ الْعَذَابِ عَنْهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَضَاءِ عَنْهُ لا بِمُجَرَّدِ التَّحَمُّلِ بِالدَّيْنِ بِلَفْظِ الضَّمَانَةِ، وَلِهَذَا سَارَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى سُؤَالِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْقَضَاءِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يَحُضَّ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْ مَيِّتٍ عَلَى الإِسْرَاعِ بِالْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ لأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ التَّبَرُّعِ بِالضَّمَانَةِ عَنْ الْمَيِّتِ.
بَابٌ فِي أَنَّ ضَمَانَ دَرْكِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا خَرَجَ مُسْتَحَقًّا
٢٩٨٦- عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَتْبَعُ الْبَيِّعُ مَنْ بَاعَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
٢٩٨٧- وَفِي لَفْظٍ: «إذَا سُرِقَ مِنْ الرَّجُلِ مَتَاعٌ أَوْ ضَاعَ مِنْهُ فَوَجَدَهُ بِيَدِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ» يَعْنِي الْمَغْصُوبَ أَوْ الْمَسْرُوقَ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ صَدَّقَهُ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِحَوْزِهِ فَلَهُ مَعَ أَخْذِ الْعَيْنِ الْمُطَالَبَةُ بِمَنْفَعَتِهَا مُدَّةَ بَقَائِهَا فِي يَدِهِ، سَوَاءٌ انْتَفَعَ بِهَا مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمْ لا، وَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَدْ نَقَصَتْ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ كَتَعَثُّثِ الثَّوْبِ وَعَمَى
الْعَبْدِ وَسُقُوطِ يَدِهِ بِآفَةٍ، فَقِيلَ: يَجِبُ أَخْذُ الأَرْشِ مَعَ أُجْرَتِهِ سَلِيمًا لِمَا قَبْلَ النَّقْصِ وَنَاقِصًا لِمَا بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ النَّقْصُ بِالاسْتِعْمَالِ.
قَوْلُهُ: «الْبَيِّعُ» بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ مَكْسُورَةً وَهُوَ الْمُشْتَرِي: أَيْ: يَرْجِعُ عَلَى مَنْ بَاعَ تِلْكَ الْعَيْنَ مِنْهُ وَلا يَرْجِعُ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ إلا إذَا كَانَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِعِلْمِهِ، لا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَنِدًا إلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ نُكُولِهِ فَلا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ، ثُمَّ إنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute