قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَدِّ مَا يُقَصُّ مِنْ الشَّارِبِ، وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَحَلْقِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: «أَحْفُوا وَانْهَكُوا» . وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى مَنْعِ الْحَلْقِ وَالاسْتِئْصَالِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
مَالِكٌ وَكَانَ يَرَى تَأْدِيبَ مَنْ حَلَقَهُ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَقَالَ حَنْبَلٌ: قِيلَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَرَى لِلرَّجُلِ يَأْخُذُ شَارِبَهُ وَيُحْفِيهِ أَمْ كَيْفَ يَأْخُذُهُ؟ قَالَ: إنْ أَحْفَاهُ فَلا بَأْسَ، وَإِنْ أَخَذَهُ قَصًّا فَلا بَأْسَ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُحْفِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقُصَّهُ.
قَوْلُهُ: «وَأَرْخُوا اللِّحَى» مَعْنَاهُ اُتْرُكُوهَا وَلا تَتَعَرَّضُوا لَهَا بِتَغْيِيرٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الأَحَادِيثِ خَمْسُ رِوَايَاتٍ «اعْفُوا» ، «وَأَوْفُوا» ، «وَأَرْخُوا» ، «وَأَرْجُوا» ، «وَوَفِّرُوا» ، وَمَعْنَاهَا كُلُّهَا: تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا.
بَابُ كَرَاهَةِ نَتْفِ الشَّيْبِ
١٩٤- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الإِسْلامِ إلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ نَتْفِ الشَّيْبِ لأَنَّهُ مُقْتَضَى النَّهْيِ حَقِيقَةً عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَقَدْ ذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ إلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ.
بَابُ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِمَا وَكَرَاهَةِ السَّوَادِ
١٩٥- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جِيءَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَأَنَّ رَأْسَهُ ثَغَامَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اذْهَبُوا بِهِ إلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَلْتُغَيِّرْهُ بِشَيْءٍ وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
١٩٦- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ شَابَ إلا يَسِيرًا وَلَكِنَّ أَبَا