قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ» فَسَّرَهُ سِمَاكٌ بِمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَحْمَدَ عَنْهُ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ، فَخُذْ أَيَّهُمَا شِئْت أَنْتَ وَشِئْت أَنَا. وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَبِلَ عَلَى الإِبْهَامِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: قَبِلْت بِأَلْفٍ نَقْدًا وَبِأَلْفَيْنِ بِالنَّسِيئَةِ صَحَّ ذَلِكَ. وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ فَقَالَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك بِكَذَا: أَيْ: إذَا وَجَبَ لَكَ عِنْدِي وَجَبَ لِي عِنْدَكَ، وَهَذَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلرِّوَايَةِ الأُخْرَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لا لِلأُولَى فَإِنَّ قَوْلَهُ: «فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَاعَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بَيْعَتَيْنِ، بَيْعَةً بِأَقَلَّ وَبَيْعَةً بِأَكْثَرَ. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: هُوَ أَنْ يُسَلِّفَهُ دِينَارًا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ إلَى شَهْرٍ فَلَمَّا حَلَّ الأَجَلُ وَطَالَبَهُ بِالْحِنْطَةِ قَالَ: بِعْنِي الْقَفِيزَ الَّذِي لَك عَلَيَّ، إلَى شَهْرَيْنِ بِقَفِيزَيْنِ، فَصَارَ ذَلِكَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ لأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ قَدْ دَخَلَ عَلَى الأَوَّلِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ أَوْكَسُهُمَا وَهُوَ الأَوَّلُ كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَنِ لابْنِ رِسْلانَ.
قَوْلُهُ: «فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا» أَيْ: أَنْقَصُهُمَا. أَوْ الرِّبَا، يَعْنِي: أَوْ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ هُوَ وَصَاحِبُهُ فِي الرِّبَا الْمُحَرَّمِ إذَا لَمْ يَأْخُذْ الأَوْكَسَ بَلْ أَخَذَ الأَكْثَرَ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رِسْلانَ. وَأَمَّا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْ سِمَاكٍ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ: يَحْرُمُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهِ لأَجْلِ النَّسَاءِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إنَّهُ يَجُوزُ لِعُمُومِ الأَدِلَّةِ
الْقَاضِيَةِ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ إلى أن قَالَ: وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَدَمُ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ فِي صُورَةِ بَيْعِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِثَمَنَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي صُورَةِ بَيْعِ هَذَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ ذَاكَ، وَلُزُومُ الرِّبَا فِي صُورَةِ الْقَفِيزِ الْحِنْطَةِ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْعُرْبُونِ
٢٨٠٥- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute