قَوْلُهُ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا» . أَي لَا يُرِيدُ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً، «بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَقَوْلُهُ: «وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ» حَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَزِيدُ فِي مَسْجِدٍ هَذَا الْقَدْرَ أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَةٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فَيَقَعُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْرُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَعْنَاهُ «بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ» . فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ، وَأَمَّا صِفَتُهُ فِي السِّعَةِ وَغَيْرِهَا فَمَعْلُومٌ فَضْلُهَا فَإِنَّهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ
بَشَرٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ فَضْلَهُ عَلَى بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَفَضْلِ الْمَسْجِدِ عَلَى بُيُوتِ الدُّنْيَا. قَالَ الْحَافِظُ: لَفْظُ (الْمِثْلِ) لَهُ اسْتِعْمَالَانِ: أَحَدُهُمَا الْإِفْرَادُ مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} والآخَرُ الْمُطَابَقَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} . إِلِى أَنْ قَالَ: وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُرْضِيَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ هُنَا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ وَالزِّيَادَةِ حَاصِلَةٌ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ خَيْرٍ مِنْ عَشَرَةٍ بَلْ مِنْ مِائَةٍ، قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ هُوَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. قَالَ فِي الْمُفْهِمِ: هَذَا الْبَيْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِثْلُ بَيْتِ خَدِيجَةَ الَّذِي قَالَ فِيهِ: «إنَّهُ مِنْ قَصَبٍ» . يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ قَصَبِ الزُّمُرُّدِ وَالْيَاقُوتِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. والله أعلم.
بَابُ الِاقْتِصَادِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ
٧٩٢- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أُمِرْت بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
٧٩٣- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ.
٧٩٤- وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ الْمَسَاجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ.
٧٩٥- وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute