قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ التَّأْلِيفِ لِمَنْ لَمْ يَرْسُخْ إيمَانُهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -.
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ}
وَهُوَ يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ الْمُكَاتَبَ وَغَيْرَهُ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَعْتِقَ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ ذَكَرَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
٢٠٥٩- وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إلَى الْجَنَّةِ، وَيُبْعِدُنِي مِنْ النَّارِ، فَقَالَ: «أَعْتِقْ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَا وَاحِدًا؟ قَالَ: «لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تُفْرَدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
٢٠٦٠- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ يُقَرِّبُنِي إلَى الْجَنَّةِ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُ: الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الْمُتَعَفِّفُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ اختلف الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} . فَقَالَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْمُرَادَ بِهِ الْمُكَاتَبُونَ يُعَانُونَ مِنْ الزَّكَاةِ عَلَى الْكِتَابَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا تُشْتَرَى رِقَابٌ لِتُعْتَقَ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا لَوْ اخْتَصَّتْ بِالْمُكَاتَبِ لَدَخَلَ فِي حُكْمِ الْغَارِمِينَ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَبِأَنَّ شِرَاءَ الرَّقَبَةِ لِتُعْتَقَ أَوْلَى مِنْ إعَانَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَانُ وَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ؛ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يَتَيَسَّرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ الْمَذْكُورُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَكَّ الرِّقَابِ غَيْرُ عِتْقِهَا، وَعَلَى أَنَّ الْعِتْقَ وَإِعَانَةَ الْمُكَاتَبِينَ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُقَرِّبَةِ مِنْ الْجَنَّةِ وَالْمُبْعِدَةِ مِنْ النَّارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute