لَيْسَ حَاضِرًا عِنْدَكَ وَلا غَائِبًا فِي مِلْكِكَ وَتَحْتَ حَوْزَتِكَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: النَّهْيُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ بُيُوعِ الأَعْيَانِ الَّتِي لا يَمْلِكُهَا. أَمَّا بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي ذِمَّتِهِ فَيَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ بِشُرُوطِهِ، فَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مَوْصُوفًا فِي ذِمَّتِهِ تَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْمَحَلِّ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ كالسَّلَمُ. قَالَ: وَفِي بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْفَسَادِ بَيْعُ الطَّيْرِ الْمُنْفَلِتِ الَّذِي لا يُعْتَادُ رُجُوعُهُ إلَى مَحَلِّهِ، فَإِنْ اعْتَادَ الطَّائِرُ أَنْ يَعُودَ لَيْلًا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا عِنْدَ الأَكْثَرِ إلا النَّحْلُ فَإِنَّ الأَصَحَّ فِيهِ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُ النَّهْيِ تَحْرِيمُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الإِنْسَانِ وَلا دَاخِلًا تَحْتَ مَقْدِرَتِهِ، وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ
السَّلَمُ فَتَكُونُ أَدِلَّةُ جَوَازِهِ مُخَصِّصَةً لِهَذَا الْعُمُومِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إذْ هُوَ كَالْحَاضِرِ الْمَقْبُوضِ.
بَابُ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مِنْ آخَرَ
٢٨٠٩- عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا أَنَّ ابْنَ مَاجَةْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فَصْلَ النِّكَاحِ.
وَهُوَ يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى فَسَادِ بَيْعِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ وَإِنْ كَانَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَهِيَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا عَقَدَ لَهَا وَلِيَّانِ لِزَوْجَيْنِ كَانَتْ لِمَنْ عَقَدَ لَهُ أَوَّلُ الْوَلِيَّيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَمْ لا. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، فَقَالُوا: إنَّهَا تَكُونُ لِلثَّانِي إذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا؛ لأَنَّ الدُّخُولَ أَقْوَى.
قَوْلُهُ: «وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ» إلَى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَيْعِ الآخَرِ حُكْمٌ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ؛ لأَنَّهُ بَاعَ غَيْرَ مَا يَمْلِكُ، إذْ قَدْ صَارَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الأَوَّلِ وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ الثَّانِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute