للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْإِمَامِ أَوْ الْمَالِكِ الْوَعْظُ وَالتَّحْذِيرُ وَتَعْرِيفُ النَّاسِ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا ذِي قُوَّةٍ عَلَى الْكَسْبِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيَكُونُ ذَلِكَ بِرِفْقٍ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ) . فِيهِ الْأَمْرُ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ الَّذِي امْتَهَنَ نَفْسَهُ بِذُلِّ السُّؤَالِ فَلَا يُقَابِلُهُ بِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ، بَلْ يُكْرِمُهُ بِإِظْهَارِ السُّرُورِ لَهُ، وَيُقَدِّرُ أَنَّ الْفَرَسَ الَّتِي تَحْتَهُ عَارِيَّةٌ، أَوْ أَنَّهُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مَعَ الْغِنَى كَمَنْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً أَوْ غَرِمَ غُرْمًا لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ.

قَوْلُهُ: «إنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكِدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ» . قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ السُّلْطَانِ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ الْخُمْسِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، يَخُصُّ بِهِ عُمُومَ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ عِنْدَهَا مِنْ السُّؤَالِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ.

قَوْلُهُ: «لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ» إلى آخره. قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا وَلَوْ امْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَمْ يُفَضِّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ وَمِنْ ذُلِّ الرَّدِّ إذَا لَمْ يُعْطَ، وَلِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنْ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ.

قَوْلُهُ: «إذَا جَاءَك مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» . قَالَ الشَّارِحُ: عَطِيَّةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ بِسَبَبِ الْعُمَالَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ السَّعْدِيِّ.

بَابُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا

٢٠٥٢- عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ ابْنَ السَّعْدِيِّ الْمَالِكِيَّ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا وَأَدَّيْتُهَا إلَيْهِ أَمَرَ لِي بِعُمَالَةٍ، قُلْتُ: إنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ، فَقَالَ: خُذْ مَا أُعْطِيتَ، فَإِنِّي عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَفَعَمَّلَنِي، فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أُعْطِيتَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَ فَكُلْ وَتَصَدَّقَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>