للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ الْخِيَارِ: افْسَخْ لأَبِيعَكَ بِأَنْقَصَ، أَوْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ: افْسَخْ لأَشْتَرِيَ مِنْكَ بِأَزْيَدَ. وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى صِحَّتِهِ مَعَ الإِثْمِ وَذَهَبَتْ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى فَسَادِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمْ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ.

قَوْلُهُ: (فِيمَنْ يَزِيدُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَطَاءَ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لا يَرَوْنَ

بَأْسًا فِي بَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَ حَدِيثِ أَنَسٍ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لا مَعْنَى لاخْتِصَاصِ الْجَوَازِ بِالْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِنَّ الْبَابَ وَاحِدٌ وَالْمَعْنَى مُشْتَرَكٌ.

بَابُ الْبَيْعِ بِغَيْرِ إشْهَادٍ

٢٨٤٨- عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَشْيَ وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الأَعْرَابِيَّ فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ لا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ابْتَاعَهُ فَنَادَى الأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسَ فَابْتَعْهُ وَإِلا بِعْتُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأَعْرَابِيِّ: «أَوَلَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ» ؟ قَالَ الأَعْرَابِيُّ: لا وَاَللَّهِ مَا بِعْتُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَلَى قَدْ ابْتَعْتُهُ» . فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا، قَالَ خُزَيْمَةُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ ابْتَعْتَهُ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: «بِمَ تَشْهَدُ» ؟ فَقَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ إشْهَادٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ الإِشْهَادُ حَتْمًا لَمْ يُبَايِعْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي: الأَعْرَابِيَّ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ شَهَادَةٍ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الأَمْرَ فِي قَوْله تَعَالَى: ... {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ، بَلْ هُوَ عَلَى النَّدْبِ؛ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>