بَابُ هَلْ يَقْتَدِي الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ أَمْ لَا
١٤٣٨- عَنْ جَابِرٍ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
١٤٣٩- وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَزَادَ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةُ.
١٤٤٠- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ سُلَيْمٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنَّهُ ... أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَ مَا نَنَامُ وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا فِي النَّهَارِ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَخْرُجُ إلَيْهِ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا، فَقَالَ ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُدِلَّ بِالرِّوَايَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ بِقَوْمِهِ كَانَتْ لَهُ تَطَوُّعًا عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِض بِالْمُتَنَفِّلِ. وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ» . فَإِنَّهُ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ: إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّيَ مَعَ قَوْمِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَلَا تُصَلِّيَ مَعِي. وَيُرَدّ بِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي هَذَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُ وَالصَّلَاةِ بِقَوْمِهِ مَعَ التَّخْفِيفِ، وَالصَّلَاةِ مَعَهُ فَقَطْ مَعَ عَدَمِهِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَطْلُوبِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ، نَعَمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا لَفْظُهُ.
وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ مَنْ مَنَعَ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ قَالَ: لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَلَّى مَعَهُ امْتَنَعَتْ إمَامَتُهُ، وَبِالْإِجْمَاعِ لَا تَمْتَنِع بِصَلَاةِ النَّفْلِ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ صَلَاةَ الْفَرْضِ وَأَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ كَانَ يَنْوِيهِ نَفْلًا.
قَالَ الشَّارِحُ: وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ، فَتِلْكَ الزِّيَادَة أَعْنِي قَوْلَهُ: «هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ» أَرْجَحُ سَنَدًا وَأَصْرَح مَعْنًى. إِلِى أَنْ قَالَ: وَمِنْهَا أَنَّ صَلَاةَ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَخْتَلِفُوا عَلَى إمَامِكُمْ» . وَرُدَّ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُبَيَّنٌ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» . إلَى آخِرِهِ. وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ اخْتِلَافٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute