قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّا لَا نَأْكُلُهُ، إنَّا حُرُمٌ» . وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَطَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُ لَحْمِ الصَّيْدِ مُطْلَقًا. وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ فَقَالُوا: أَحَادِيثُ الْقَبُولِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا يَصِيدُهُ الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يُهْدِي مِنْهُ لِلْحُرُمِ وَأَحَادِيثُ الرَّدِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا صَادَهُ الْحَلَالُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ حَدِيثُ جَابِرٍ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْأُثَايَةِ إذَا نَحْنُ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فِي ظِلٍّ فِيهِ سَهْمٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ حَتَّى يُخْبِرَ النَّاسَ عَنْهُ) . قَالَ الشَّارِحُ: إنَّمَا لَمْ يَأْذَنْ لِمَنْ مَعَهُ بِأَكْلِهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ حَيٌّ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ الصَّيْدِ الْحَيِّ. الثَّانِي: أَنَّ صَاحِبَهُ الَّذِي رَمَاهُ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلِهَذَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - فِي حِمَارِ الْبَهْزِيِّ: «أَقِرُّوهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ» . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلرَّئِيسِ إذَا رَأَى صَيْدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ نَفْسِهِ بِالْهَرَبِ إمَّا لِضَعْفٍ فِيهِ أَوْ لِجِنَايَةٍ أَصَابَتْهُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَحْفَظُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ.
بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ
٢٤٩١- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُعَرِّفٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ لِلْقُيُونِ وَالْبُيُوتِ، فَقَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ.
٢٤٩٢- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَالَ: «لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» . فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إلَّا الْإِذْخِرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ: لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، بَدَلَ قَوْلِهِ: لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا.
وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ غُلَامًا مِنْ قُرَيْشٍ قَتَلَ حَمَامَةً مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ، فَأَمَرَ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute