فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي: وَاجَبَلَاهُ وَاكَذَا وَاكَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْت شَيْئًا إلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَلِكَ؛ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
١٩٥٤- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَتَاهُ، فَقَالَ: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» . فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - التُّرَابَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
١٩٥٥- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ وَفَاتِهِ فَوَضَعَ فَمَه بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ وَقَالَ: وَانَبِيَّاهُ وَاخَلِيلَاهُ وَاصَفِيَّاهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (لَيْسَ مِنَّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ سُنَّتِنَا وَطَرِيقَتنَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إخْرَاجَهُ مِنْ الدِّينِ، وَفَائِدَةُ إيرَادِ هَذَا اللَّفْظِ الْمُبَالَغَةُ
فِي الرَّدْعِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ.
قَوْلُهُ: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ» . ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ. وَقالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّ بِدْءِ عَذَابِ الْمَيِّتِ يَقَعُ عِنْدَ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْكَافِرِ دُونَ الْمُؤْمِنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ لِمَنْ أَهْمَلَ نَهْيَ أَهْلِهِ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَوْبِيخُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ فَيَنْزِلَ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ؛ بِأَنْ يُقَالَ مَثَلًا: مَنْ كَانَ طَرِيقَتُهُ النَّوْحَ فَمَشَى أَهْلُهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ أَوْ بَالَغَ فَأَوْصَاهُمْ بِذَلِكَ عُذِّبَ بِصَنِيعِهِ، وَمَنْ كَانَ ظَالِمًا فَنُدِبَ بِأَفْعَالِهِ الْجَائِرَةِ عُذِّبَ بِمَا نُدِبَ بِهِ، وَمَنْ كَانَ يَعْرِفُ مِنْ أَهْلِهِ النِّيَاحَةَ وَأَهْمَلَ نَهْيَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute