قَتْلَهُ - أَحْسَبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: «إنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا - أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا - قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتهمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ تَعْزِيرٌ لِحَقِّ اللَّهِ جَازَ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ، وَأَنَّ قَوْمًا لَوْ أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ إذَا كَثُرُوا وَامْتَنَعُوا بِالسِّلَاحِ وَاسْتَعْرَضُوا النَّاسَ.
٤١٢٨- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَكُونُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمَا بِالْحَقِّ» .
٤١٢٩- وَفِي لَفْظٍ: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ: لا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ، وَلا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ. رَوَاهُ سَعِيدُ.
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنْ لا يُقَادَ أَحَدٌ، وَلا يُؤْخَذَ مَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَاحْتَجَّ بِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الْكَفِّ عَنْ قُتِلَ مَنْ يُعْقَدُ الْخُرُوجِ عَلَى الإِمَامُ مَا لَم يُنْصَبُ لِذَلِكَ حربًا أوَ يستعد لُهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: أَجْمَعَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ - مَعَ ضلالتهم - فُرْقَةٍ مِنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَجَازُوا مناكحاتهم وَأَكَلَ ذَبَائِحِهِمْ وَأَنَّهُمْ لا يُكَفِّرُونَ مَا دَامُوا متمسكين بِأَصْلِ الإِسْلامِ.
قَوْلُهُ: (وَلا يُؤْخَذُ مَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَخْذُ أَمْوَالِ الْبُغَاةِ إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا مَوْجُودًا عِنْدَ الْقِتَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute