فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَوْلُهُ: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبَ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: رَتَّبَ - صلى الله عليه وسلم - فُشُوَّ الْكَذِبِ عَلَى انْقِرَاضِ الثَّالِثِ. فَالْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ إلَى الْقِيَامَةِ قَدْ فَشَا فِيهِمْ الْكَذِبُ بِهَذَا النَّصِّ فَعَلَى الْمُتَيَقِّظِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ عَالِمٍ أَنْ يُبَالِغَ فِي تَعَرُّفِ أَحْوَالِ الشَّهَادَةِ وَالْمُخْبِرِينَ، وَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَمْ يُقْبَلْ الْمَجْهُولُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَنْقُولِ. وَفِي
الْحَدِيثِ التَّوْصِيَةُ بِخَيْرِ الْقُرُونِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» سَبَبُ ذَلِكَ ما جبلا عَلَيْهِ مِنْ شَهْوَةِ النِّكَاحِ، فَيَجِدُ الشَّيْطَانُ السَّبِيلَ فَتَقَعُ الْمَعْصِيَةُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: «بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: بُحْبُوحَةُ الدَّارِ وَسَطُهَا، يُقَالُ بَحْبَحَ: إذَا تَمَكَّنَ وَتَوَسَّطَ الْمَنْزِلَ وَالْمَقَامَ وَالْمُرَادُ أَنَّ لُزُومَ الْجَمَاعَةِ سَبَبُ الْكَوْنِ فِي بُحْبُوحَةِ الْجَنَّةِ لأنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلَى النَّارِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ» إلَى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّرُورَ لأجْلِ الْحَسَنَةِ وَالْحُزْنَ لأجْلِ السَّيِّئَةِ مِنْ خِصَالِ الإِيمَانِ؛ لأنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ لا يُبَالِي أَحْسَنَ أَمْ أَسَاءَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ صَحِيحَ الإِيمَانِ خَالِصَ الدِّينِ فَإِنَّهُ لا يَزَالُ مِنْ سَيِّئَتِهِ فِي غَمٍّ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهَا مُحَاسَبٌ عَلَيْهَا، وَلا يَزَالُ مِنْ حَسَنَتِهِ فِي سُرُورٍ لأنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا مُدَّخَرَةٌ لَهُ فِي صَحَائِفِهِ فَلا يَزَالُ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُوَفِّقَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ. انْتَهَى وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَجْعَل أَحْسَنَ أَعْمَالِنَا خَواتِيمَهَا وأَبْرَكَ أَيَامِنَا يَوْمَ لِقَائِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute