للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيُدْفَنَ فِيهِ وَاقِفُ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَأَنَّهُ إذَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ لِقَصْدِ أَنْ يُدْفَنَ فِي بَعْضِهِ أَحَدٌ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي اللَّعْنَةِ بَلْ يَحْرُمُ الدَّفْنُ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى وَقْفَهُ مَسْجِدًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَلا تَصِحُّ الصَّلاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ وَلا إِلَيْهِا وَالنَّهْي عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ سَدٌّ لِذَرِيعَةِ الشِّرْكِ. وَذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَبْرَ وَالْقَبْرَيْنِ لا يُمْنَع مِنْ الصَّلاةِ لأَنَّهُ لا يَتَنَاوَلُ اسْم الْمَقْبَرَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْبَرَةِ ثَلاثَةُ قُبُورٍ فَصَاعِدًا. وَلَيْسَ فِي كَلامِ أَحْمَدٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ هَذَا الْفَرْق، بَلْ عُمُومُ كَلامِهِمْ وَتَعْلِيلِهِمْ

وَاسْتَدْلالِهِمْ يُوجِبُ مَنْع الصَّلاةِ عِنْدَ قَبْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْقُبُورِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْمَقْبَرَةُ كُلُّ مَا قُبِرَ فِيهِ لا أَنَّهُ جَمْعُ قَبْرٍ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ: «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ» . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْعَطَنُ مَبْرَكُ الْإِبِلِ حَوْلَ الْمَاءِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَعَلَى تَحْرِيمِهَا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ: لَا تَصِحُّ بِحَالٍ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ لَا يَجِدُ إلَّا عَطَنَ إبِلٍ، قَالَ: لَا يُصَلِّي فِيهِ. قِيلَ: فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا قَالَ: لَا. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا تَحِلُّ فِي عَطَنِ إبِلٍ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ مَعَ عَدَمِ النَّجَاسَةِ، وَعَلَى التَّحْرِيمِ مَعَ وُجُودِهَا. وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ هِيَ النَّجَاسَةُ، وَذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى نَجَاسَةِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَزْبَالِهَا. وَقَدْ عَرَفْت مَا قَدَّمْنَاهُ فِيهِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا النَّجَاسَةَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهَا عِلَّةً لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ لَمَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ أَعْطَانِهَا وَبَيْنَ مَرَابِضِ الْغَنَمِ، إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَرْوَاثِ كُلٍّ مِنْ الْجِنْسَيْنِ وَأَبْوَالِهَا، كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ، وَأَيْضًا قَدْ قِيلَ: إنَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ مَا فِيهَا مِنْ النُّفُورِ، فَرُبَّمَا نَفَرَتْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَتُؤَدِّي إلَى قَطْعِهَا، أَوْ أَذًى يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا أَوْ تَشْوِيشُ الْخَاطِرِ الْمُلْهِي عَنْ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ. وَبِهَذَا عَلَّلَ النَّهْيَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ، وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْإِبِلِ فِي مَعَاطِنِهَا وَبَيْنَ غَيْبَتِهَا عَنْهَا إذْ يُؤْمَنُ نُفُورِهَا حِينَئِذٍ، وَيُرْشِدُ إلَى صِحَّةِ هَذَا حَدِيثُ ابْنِ مُغَفَّلٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ: «لَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الْجِنِّ أَلَا تَرَوْنَ إلَى عُيُونِهَا وَهَيْئَتِهَا إذَا نَفَرَتْ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>