فَنَزَلُوا مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ نَزَلَ النَّاسُ بَعْد ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
١٦٩٠- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا» ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ» ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا» ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ» ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا» ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ الْبَلْدَةُ» ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الْخُطْبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ.
قَوْلُهُ: (أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا) . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الثَّلَاثَةِ وَسُكُوتِهِ بَعْدَ كُلِّ سُؤَالٍ مِنْهَا مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِاسْتِحْضَارِ فُهُومِهِمْ، وَلْيُقْبِلُوا عَلَيْهِ بِكُلِّيَّتِهِمْ وَيَسْتَشْعِرُوا عَظَمَةَ مَا يُخْبِرُهُمْ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ هَذَا: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ» إلَى آخِرِهِ. مُبَالَغَةٌ فِي بَيَانِ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
قَوْلُهُ: «فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» . قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَنْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ مَا لَيْسَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ رُبَّ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّقْلِيلِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَفِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَتَأْكِيدُ تَحْرِيمِ تِلْكَ الْأُمُورِ وَتَغْلِيظِهَا بِأَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute