فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ صَحَّ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقِيلَ: وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الطَّوَافِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ شَذَّ فَمَنَعَ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ. انْتَهَى.
قال في المقنع: وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا أَوْ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ ثًمَّ يًدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ لَمْ يَصِح إِحْرَامِهِ بِهَا. قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: إِذَا أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمُرَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْفَوَات جَازَ وَكَانَ قِرَانًا بِغَيْرِ خِلافٍ، فَأَمَّا إِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَلا يَجُوزُ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحْ وَلَمْ يَصِرْ قَارِنًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْن الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةُ: يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا لأَنَّهُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَجَازَ إِدْخَالِهِ عَلَى الآخِرِ كَالآخِرِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَالَّذِي تَجْتَمِعُ بِهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ قَارِنًا بِمَعْنَى أَنَّه أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ أَهَلَّ بِهِ مُفْرَدًا لا أَنَّهُ أَوَّلَ مَا أَهَلَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُمَر مَرْفُوعًا: «وَقُلْ عُمْرَةً فِي حِجَّةٍ» . انتهى.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّم: وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَبَّى بِالْحِجِّ وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ وَظَنَّ أَنَّهُ بِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الأَحَادِيثُ فَعُذْرُهُ أَنَّه رَأَى أَحَادِيثَ إِفْرَاده بِالْحَجِّ صَحِيحَة فَحَمَلَهَا عَلَى ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَاهُ آتٍ مِنْ رَبِّهِ فَقَالَ: «قُلْ عُمْرَة فِي حَجَّةٍ» . فَأَدْخَلَ الْعُمْرَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الْحَجِّ فَصَارَ قَارِنًا، وَلِهَذَا قَالَ لِلْبَرِاءِ بْن
عَازِب: «إِنِّي سُقْتُ الْهَدِيَ وَقَرِنْتُ» . فَكَانَ مُفْرِدًا فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ قَارِنًا فِي أَثْنَائِهِ وَأَيْضًا فَإِنّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَلا لَبَّى بِالْعُمْرَةِ وَلا أَفْرَدَ الْعُمْرَةِ وَلا قَالَ: خَرَجْنَا لا نَنْوِي إِلا الْعُمْرَة. وَقَالُوا: أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَبَّى بِالْحَجِّ وَأَفْرَدَ بِالْحَجِّ وَخَرَجْنَا لا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِحْرَامَ وَقَعَ أَوَّلاً بِالْحَجِّ ثُمَّ جَاءَهُ الْوَحْيُ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى بِالْقِرَانِ فَلَبَّى بِهِمَا فَسَمِعَهُ أَنَسٌ يُلَبِّي بِهِمَا وَصَدَقَ وَسَمِعَتْهُ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَر وَجَابِرُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَحْدَهُ أَوَّلاً وَصَدَقُوا. قَالُوا: وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الأَحَادِيثُ وَيَزُولُ عَنْهَا الاضْطِرَاب. وَأَرْبَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ لا يُجِيزُونَ إِدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ وَيَرَوْنَهُ لَغْوًا. وَيَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - دُونَ غَيْرِهِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَلا رَيْبَ أَنَّ فِي هَذَا الْقَولِ مِنْ مُخَالَفَةِ الأَحَادِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute