للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيَّنَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَهَنَ دِرْعًا لَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ظَفَرٍ فِي شَعِيرٍ وَالأَحَادِيثُ

الْمَذْكُورَةُ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الرَّهْنِ وَهُوَ مَجْمُوعٌ عَلَى جَوَازِهِ وَفِيهَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّفَرِ فِي الآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلا مَفْهُومَ لَهُ لِدَلالَةِ الأَحَادِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي الْحَضَرِ، وَأَيْضًا السَّفَرُ مَظِنَّةُ فَقْدِ الْكَاتِبِ فَلا يُحْتَاجُ إلَى الرَّهْنِ غَالِبًا إلا فِيهِ، وَفِيهَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُعَامَلَةِ الْكُفَّارِ فِيمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ تَحْرِيمُ الْعَيْنِ الْمُتَعَامَلِ فِيهَا وَجَوَازِ رَهْنِ السِّلاحِ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لا عِنْدَ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالاتِّفَاقِ وَجَوَازِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي عُدُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مُعَامَلَةِ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ إلَى مُعَامَلَةِ الْيَهُودِ إمَّا بَيَانُ الْجَوَازِ، أَوْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إذْ ذَاكَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِمْ أَوْ خَشِيَ أَنَّهُمْ لا يَأْخُذُونَ مِنْهُ ثَمَنًا أَوْ عِوَضًا فَلَمْ يُرِدْ التَّضْيِيقَ عَلَيْهِمْ.

قَوْلُهُ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا» إلى آخره، َفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ إذَا قَامَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ الْمَالِكُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَاللَّيْثُ وَالْحَسَنُ.

قَوْلُهُ: «لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» قَالَ فِي الْقَامُوسِ: غَلِقَ الرَّهْنُ: اسْتَحَقَّهُ الْمُرْتَهِنُ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَفْتَكَّهُ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ فَسَّرَ غِلاقَ الرَّهْنِ بِمَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ: إنْ لَمْ آتِكَ بِمَالِكَ فَالرَّهْنُ لَكَ، قَالَ: ثُمَّ بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ هَلَكَ لَمْ يَذْهَبْ حَقُّ هَذَا، إنَّمَا هَلَكَ مِنْ رَبِّ الرَّهْنِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَتَمَلَّكُ الرَّهْنَ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الرَّاهِنُ إلَيْهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الْوَقْتِ الْمَضْرُوبِ فَأَبْطَلَهُ الشَّارِعُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>