للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَغْرِزَ خَشَبًا فِي جِدَارِهِ» . فَقَالَ الْحَالِفُ: أَيْ: أَخِي قَدْ عَلِمْت أَنَّك مَقْضِيٌّ لَكَ عَلَيَّ، وَقَدْ حَلَفْت فَاجْعَلْ أُسْطُوَانًا دُونَ جِدَارِي، فَفَعَلَ الآخَرُ فَغَرَزَ فِي الأُسْطُوَانِ خَشَبَةً. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «خَشَبَهُ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الأُصُولِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالإِفْرَادِ، وَرِوَايَةُ مُجَمِّعٍ

تَشْهَدُ لِمَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَالأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِلْجَارِ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ غَرْزِ الْخَشَبِ فِي جِدَارِهِ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْهَادَوِيَّةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْجُمْهُورُ: إنَّهُ يُشْتَرَطُ إذْنُ الْمَالِكِ وَلا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْجِدَارِ إذَا امْتَنَعَ، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ «لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ» وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ الأَدِلَّةِ مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ نَجِدْ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحُكْمَ إلا عُمُومَاتٌ لا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَخُصَّهَا، قِيلَ: وَهَذَا الْحُكْمُ مَشْرُوطٌ بِأَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْجَارِ بِحَاجَةِ مَنْ يُرِيدُ الْغَرْزَ إلَيْهِ وَعَدَمِ تَضَرُّرِ الْمَالِكِ.

قَوْلُهُ: «لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ» هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الضِّرَارِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَارِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ لِمَنْ ضَارَّ غَيْرَهُ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صِرْمَةَ مَالِكِ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الضُّرِّ وَالضِّرَارِ. فَقِيلَ: إنَّ الضُّرَّ: فِعْلُ الْوَاحِدِ، وَالضِّرَارَ: فِعْلُ الاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَقِيلَ: الضِّرَارُ: أَنْ تَضُرَّهُ بِغَيْرِ أَنْ تَنْتَفِعَ، وَالضُّرُّ: أَنْ تَضُرَّهُ وَتَنْتَفِعَ أَنْتَ بِهِ وَقِيلَ: الضِّرَارُ: الْجَزَاءُ عَلَى الضُّرِّ، وَالضُّرُّ: الابْتِدَاءُ وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى.

قَوْلُهُ: «وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي حَائِطِ جَارِهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَضْعِ الْخَشَبَةِ فِي جِدَارِ الْجَارِ، وَإِذَا جَازَ الْغَرْزُ جَازَ الْوَضْعُ بِالأَوْلَى؛ لأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>