قَوْلُهُ: (فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ) أَيْ: عَنْ كَرْيِ الأَرْضِ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ هَذِهِ، فَيَصْلُحُ التَّمَسُّكُ بِهَذَا الْمَذْهَبِ لِمَنْ قَالَ: إنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ هَذَا النَّوْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُزَارَعَةِ وَقَدْ حَكَي فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمُفْضِي إلَى الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ، لا عَنْ إكْرَائِهَا مُطْلَقًا. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى مَا يُفْضِي إلَى الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَيُوجِبُ الْمُشَاجَرَةَ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُحَابَاةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى الْمُخَابَرَةِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي خَيْبَرَ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا إلَى مَوْتِهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا تَصْرِيحُ رَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِجَوَازِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ.
قَوْلُهُ: وَقَالَ: «أَكْرُوا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ جَوَّزَ كِرَاءَ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَلْحَقُوا بِهِمَا غَيْرَهُمَا مِنْ الأَشْيَاءِ الْمَعْلُومَةِ؛ لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وَلا مَضْمُونًا.
قَوْلُهُ: (وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ) إلَى آخْره، هَذَا كَلامٌ حَسَنٌ، وَلا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ إلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الأَحَادِيثِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute