٣٠٦٥- وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي بَيْعِهِ جَمَلَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا بِلالُ اقْضِهِ وَزِدْهُ، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَزَادَهُ قِيرَاطًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
٣٠٦٦- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: نَهَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَسْبِ الأَمَةِ إلا مَا عَمِلَتْ بِيَدَيْهَا، وَقَالَ هَكَذَا بِأَصَابِعِهِ نَحْوَ الْخَبْزِ وَالْغَزْلِ وَالنَّفْشِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَاسْتَأْجَرَ) الْوَاوُ ثَابِتَةٌ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ؛ لأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قِصَّةٍ قَبْلَهَا، وَقَدْ سَاقَهَا الْبُخَارِيُّ مُسْتَوْفَاةً فِي الْهِجْرَةِ، وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ عَلَى هِدَايَةِ الطَّرِيقِ إذَا أَمِنَ إلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الإِجَارَةِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ: بَابُ اسْتِئْجَارِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَهْلُ الإِسْلامِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا لا أَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْفُقَهَاءُ يُجِيزُونَ اسْتِئْجَارَهُمْ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الذِّلَّةِ لَهُمْ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ مِنْ الْمُشْرِكِ لِمَا فِيهِ مِنْ الإِذْلالِ.
قَوْلُهُ: «عَلَى قَرَارِيطَ» فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَةْ: «كُنْت أَرْعَاهَا لأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ» وَكَذَا رَوَاهُ الإِسْمَاعِيلِيُّ وَقَدْ صَوَّبَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ نَاصِرٍ التَّفْسِيرَ الَّذِي ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ لَكِنْ رُجِّحَ تَفْسِيرُ سُوَيْد بِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَعْرِفُونَ مَكَانًا يُقَالُ لَهُ قَرَارِيطُ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ نَصْرِ بْنِ حَزْنٍ قَالَ: افْتَخَرَ أَهْلُ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُعِثَ مُوسَى وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وَبُعِثَ دَاوُد وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وَبُعِثْت وَأَنَا رَاعِي غَنَمِ أَهْلِي بِجِيَادٍ» وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ رَدًّا لِتَأْوِيلِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ لأَنَّهُ مَا كَانَ يَرْعَى بِالأُجْرَةِ لأَهْلِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَكَانَ، فَعَبَّرَ تَارَةً بِجِيَادٍ وَتَارَةً بِقَرَارِيطَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لا مَانِعَ مِنْ الْجَمْعِ وَأَنَّهُ كَانَ يَرْعَى لأَهْلِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَلِغَيْرِهِمْ بِأُجْرَةٍ، وَهُمْ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَيُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ سُوَيْد قَوْلُهُ: «عَلَى قَرَارِيطَ» فَإِنَّ الْمَجِيءَ بِعَلَى يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ، وَلا يُنَافِي ذَلِكَ جَعْلَهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ الَّتِي لِلسَّبَبِيَّةِ، وَأَمَّا جَعْلُهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ الَّتِي لِلظَّرْفِيَّةِ فَبَعِيدٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي إلْهَامِ رَعْيِ الْغَنَمِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute