للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِهِمْ وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا، فَهُمْ رِدْءُ الإِسْلامِ، وَجُبَاةُ الْمَالِ، وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إلا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الإِسْلامِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ، وَيُرَدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَلا يُكَلَّفُوا إلا طَاقَتَهُمْ. فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ، فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ؛ فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا

أَمْرَكُمْ إلَى ثَلاثَةٍ مِنْكُمْ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْت أَمْرِي إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْت أَمْرِي إلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْت أَمْرِي إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَيُّكُمَا يَبَرَأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَنَجْعَلَهُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إلَيَّ؟ وَاَللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لا آلُو عَنْ أَفْضَلِكُمْ، قَالا: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمْ فَقَالَ: لَكَ مِنْ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَدَمِ فِي الإِسْلامِ مَا قَدْ عَلِمْت، فَاَللَّهُ عَلَيْك لَئِنْ أَمَّرْتُك لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْت عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلا بِالآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَك يَا عُثْمَانُ، فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ رَأَى لِلْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي هَذَا الأَثَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ جَعْلُ أَمْرِ الْخِلافَةِ شُورَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالصَّلاحِ، كَمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلافُ وَعَقْدُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: أَجْمَعُوا عَلَى انْعِقَادِ الْخِلافَةِ بِالِاسْتِخْلافِ، وَعَلَى انْعِقَادِهَا بِعَقْدِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لإِنْسَانٍ حَيْثُ لا يَكُونُ هُنَاكَ اسْتِخْلافٌ غَيْرُهُ، وَعَلَى جَوَازِ جَعْلِ الْخِلافَةِ شُورَى بَيْنَ عَدَدٍ مَحْصُورٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَصْبُ خَلِيفَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>