قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ) قَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا النَّهْيِ، وَبِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ: «فَلْيَتَزَوَّجْ» وَبِقَوْلِهِ: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ
سُنَّتِي» وَبِسَائِرِ مَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنْ الأَوَامِرِ وَنَحْوِهَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ النِّكَاحِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ قَسَّمَ الْعُلَمَاءُ الرَّجُلَ فِي التَّزْوِيجِ إلَى أَقْسَامٍ: التَّائِقُ إلَيْهِ الْقَادِرُ عَلَى مُؤَنِهِ الْخَائِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَهَذَا يُنْدَبُ لَهُ النِّكَاحُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ يَجِبُ، وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي صَحِيحِهِ، وَنَقَلَهُ الْمُصْعَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ وَجْهًا وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَتْبَاعِهِ انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ: وَبِهِ قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ مَعَ الْخَشْيَةِ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ إنْ وَجَدَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ أَوْ يَتَسَرَّى أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لا يَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ التَّائِقِ إلا إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اقْتَصَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُسْتَطِيعُ الَّذِي يَخَافُ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ مِنْ الْعُزُوبَةِ لا يَرْتَفِعُ عَنْهُ ذَلِكَ إلا بِالتَّزْوِيجِ لا يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهِ وَحَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ خَافَ الْعَنَتَ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَكَذَلِكَ حُكِيَ عَنْهُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَنْ يُخِلُّ بِالزَّوْجَةِ فِي الْوَطْءِ وَالإِنْفَاقِ مَعَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَالْكَرَاهَةُ حَيْثُ لا يَضُرُّ بِالزَّوْجَةِ مَعَ عَدَمِ التَّوَقَانِ إلَيْهِ، وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الإِخْلالِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ الَّتِي يَعْتَادُهَا وَالاسْتِحْبَابُ فِيمَا إذَا حَصَلَ بِهِ مَعْنًى مَقْصُودٌ مِنْ كَسْرِ شَهْوَةٍ وَإِعْفَافِ نَفْسٍ وَتَحْصِينِ فَرْجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالإِبَاحَةُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَتْ الدَّوَاعِي وَالْمَوَانِعُ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يُرْجَى مِنْهُ النَّسْلُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْوَطْءِ شَهْوَةٌ، وَكَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي نَوْعٍ مِنْ الاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ غَيْرَ الْوَطْءِ فَأَمَّا مَنْ لا نَسْلَ لَهُ وَلا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ وَلا فِي الاسْتِمْتَاعِ فَهَذَا مُبَاحٌ فِي حَقِّهِ إذَا عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ وَرَضِيَتْ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالإِعْرَاضُ عَنِ الأَهْلِ وَالأَوْلادِ لَيْسَ مِمَّا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا هُوَ دِينُ الأَنْبِيَاءِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} ، وَلَيْسَ لِلأَبَوَيْنِ إِلْزَامِ الْوَلَدِ بِنِكَاحِ مَنْ لا يُرِيدُ فَلا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute