للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْطُ مُثْبَتًا حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّرْطُ مَنْفِيًّا لَا يَكُونُ عَامًّا كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَضْرِبْ رَجُلًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَعْنَاهُ أَضْرِبُ رَجُلًا فَشَرْطُ الْبِرِّ ضَرْبُ أَحَدٍ مِنْ الرِّجَالِ فَيَكُونُ لِلْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ.

(وَكَذَا

ــ

[التلويح]

اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ، وَتَبْكِيتٍ بِمَعْنَى أَنْزَلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَأَنْتُمْ مُعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ فَهُوَ إيجَابٌ جُزْئِيٌّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِفَرْدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الشَّيْءِ تَعَلُّقٌ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ ضَرُورَةً، وَقَدْ قُصِدَ بِهِ إلْزَامُ الْيَهُودِ، وَرُدَّ قَوْلِهِمْ {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٩١] فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْبَشَرِ شَيْئًا مِنْ الْكُتُبِ عَلَى أَنَّهُ سَلْبٌ كُلِّيٌّ لِيَسْتَقِيمَ رَدُّهُ بِالْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ إذْ الْإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ لَا يُنَافِي السَّلْبَ الْجُزْئِيَّ مِثْلُ أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْضَ الْكُتُبِ عَلَى بَعْضِ الْبَشَرِ، وَلَمْ يُنَزِّلْ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضِهِمْ، وَإِنَّمَا قَالَ الْإِيجَابُ، وَالسَّلْبُ دُونَ الْمُوجِبَةِ، وَالسَّالِبَةِ لِأَنَّ الْكُلِّيَّةَ، وَالْبَعْضِيَّةَ هُنَا لَيْسَتْ فِي جَانِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بَلْ فِي مُتَعَلِّقَاتِ الْحُكْمِ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَنَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةُ تَوْحِيدٍ إجْمَاعًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَدْرُ الْكَلَامِ نَفْيًا لِكُلِّ مَعْبُودٍ بِحَقٍّ لَمَا كَانَ إثْبَاتُ الْوَاحِدِ الْحَقِّ تَعَالَى تَوْحِيدًا، وَلِلْإِشَارَةِ إلَى هَذَا التَّقْرِيرِ قَالَ: وَلِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ دُونَ أَنْ يَقُولَ، وَلِقَوْلِنَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنْ قُلْت لِمَا فَسَّرْت الْإِلَهَ بِالْمَعْبُودِ بِحَقٍّ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَيْضًا اسْمٌ لِلْمَعْبُودِ بِالْحَقِّ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ قُلْت مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلَمٌ لِلْمَعْبُودِ بِالْحَقِّ الْمَوْجُودِ الْبَارِي لِلْعَالَمِ الَّذِي هُوَ فَرْدٌ خَاصٌّ مِنْ مَفْهُومِ الْإِلَهِ لَا أَنَّهُ اسْمٌ لِهَذَا الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ كَالْإِلَهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هَاهُنَا بَدَلٌ مِنْ اسْمِ لَا عَلَى الْمَحَلِّ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَا إلَهَ مَوْجُودٌ فِي الْوُجُودِ إلَّا اللَّهُ فَإِنْ قُلْت هَلَّا قَدَّرْت فِي الْإِمْكَانِ، وَنَفْيُ الْإِمْكَانِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ قُلْت لِأَنَّ هَذَا رَدٌّ لِخَطَأِ الْمُشْرِكِينَ فِي اعْتِقَادِ تَعَدُّدِ الْإِلَهِ فِي الْوُجُودِ، وَلِأَنَّ الْقَرِينَةَ، وَهِيَ نَفْيُ الْجِنْسِ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُودِ دُونَ الْإِمْكَانِ، وَلِأَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ بَيَانُ وُجُودِهِ، وَنَفْيُ إلَهٍ غَيْرِهِ، لَا بَيَانُ إمْكَانِهِ، وَعَدَمِ إمْكَانِ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغًا، وَاقِعًا مَوْقِعَ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى نَفْيِ الْوُجُودِ عَنْ آلِهَةٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْيِ مُغَايَرَةِ اللَّهِ عَنْ كُلِّ إلَهٍ.

(قَوْلُهُ: وَالنَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ) يُرِيدُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي مِثْلِ إنْ فَعَلْت فَعَبْدُهُ حُرٌّ، أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لِلْيَمِينِ عَلَى تَحَقُّقِ نَقِيضِ مَضْمُونِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مُثْبَتًا مِثْلُ إنْ ضَرَبْت رَجُلًا فَكَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِلْمَنْعِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك، وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ رَجُلًا، وَإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا مِثْلُ إنْ لَمْ أَضْرِبْ رَجُلًا فَكَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِلْحَمْلِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك، وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ رَجُلًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ خَاصٌّ يُفِيدُ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْعُمُومِ، وَالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ، وَالنَّكِرَةُ فِي الشَّرْطِ الْمَنْفِيِّ عَامٌّ يُفِيدُ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>