للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ) عِنْدَنَا نَحْوُ لَا أُجَالِسُ، إلَّا رَجُلًا عَالِمًا فَلَهُ أَنْ يُجَالِسَ كُلَّ عَالِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: ٢٢١] {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [البقرة: ٢٦٣] الْآيَةَ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّهُ فِي مَعْرَضِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: ٢٢١] ، وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ عَامَّةً لَمَا صَحَّ التَّعْلِيلُ.

وَلِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْمُشْتَقِّ تَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْمَأْخَذِ فَكَذَا النِّسْبَةُ إلَى الْمَوْصُوفِ بِالْمُشْتَقِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُجَالِسُ إلَّا عَالِمًا مَعْنَاهُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا فَيَعُمُّ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أُجَالِسُ إلَّا عَالِمًا لِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَمَعْنَاهُ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا فَإِنْ أَظْهَرْنَا الْمَوْصُوفَ، وَهُوَ الرَّجُلُ، وَنَقُولُ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا كَانَ عَامًّا أَيْضًا.

(فَإِنْ قِيلَ النَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ مُقَيَّدَةٌ، وَالْمُقَيَّدُ مِنْ أَقْسَامِ الْخَاصِّ قُلْنَا هُوَ خَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ، وَعَامٌّ مِنْ وَجْهٍ)

ــ

[التلويح]

جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْخُصُوصِ، وَالْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ فَظَهَرَ أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا عُمُومُ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا النَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ) ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِفَرْدٍ، وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ النَّكِرَةِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ وَاحِدًا دُونَ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا يَدْخُلُ دَارِهِ وَحْدَهُ قَبْلَ أَحَدٍ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى فَرْدٍ وَاحِدٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى عُمُومِهَا لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ الِاسْتِعْمَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: ٢٢١] {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: ٢٦٣] لِلْقَطْعِ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَامٌّ فِي كُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، وَكُلِّ قَوْلٍ مَعْرُوفٍ مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} [البقرة: ٢٢١] وَقَعَ فِي مَعْرِضِ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ عَامٌّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ عَامٌّ، فِي النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ فَيَجِبُ عُمُومُ الْعِلَّةِ لِيُلَائِمَ عُمُومَ الْحُكْمِ، وَفِي هَذِهِ إشَارَةٌ إلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الْخَبَرِ أَوْ بِكَلِمَةِ أَيْ أَوْ بِالنَّكِرَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ النَّفْيِ الثَّانِي أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمُشْتَقِّ سَوَاءٌ ذُكِرَ مَوْصُوفُهُ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ مُشْعِرٌ بِأَنَّ مَأْخَذَ اشْتِقَاقِ الْوَصْفِ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَعُمُّ الْحُكْمُ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ، وَهَذَا مُرَادُ مَنْ قَالَ الصِّفَةُ، وَالْمَوْصُوفُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَعُمُومُهَا عُمُومُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ رَجُلَيْنِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا لَمْ يَحْنَثْ بِمُجَالَسَةِ عَالِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَقَدْ يُقَالُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ فَحُكْمُهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ، وَهَذِهِ النَّكِرَةُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ عَامَّةٌ لِوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا أُجَالِسُ رَجُلًا عَالِمًا، وَلَا رَجُلًا جَاهِلًا، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي مِثْلِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا، وَالْوَجْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ إنَّ النَّكِرَةَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>