للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا كَانَتْ فِي الْأَخْبَارِ نَحْوُ رَأَيْت رَجُلًا فَإِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى، وَإِذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّامِ الْعَهْدُ، وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ فَكَذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ إذَا أُعِيدَتْ الْمَعْرِفَةُ نَكِرَةً كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ فَالْمُعْتَبَرُ نَكِيرُ الثَّانِي، وَتَعْرِيفُهُ.

(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٥] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٦] لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا تَأْكِيدٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُقَيَّدٍ بِصَكٍّ مَرَّتَيْنِ يَجِبُ أَلْفٌ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ مُنَكَّرًا يَجِبُ أَلْفَانِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ

ــ

[التلويح]

الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَخُلُوُّ الْمَقَامِ عَنْ الْقَرَائِنِ، وَإِلَّا فَقَدْ تُعَادُ النَّكِرَةُ نَكِرَةً مَعَ عَدَمِ الْمُغَايَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: ٨٤] وقَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً} [الأنعام: ٣٧] {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: ٥٤] يَعْنِي قُوَّةَ الشَّبَابِ، وَمِنْهُ بَابُ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وَقَدْ تُعَادُ النَّكِرَةُ مَعْرِفَةً مَعَ الْمُغَايَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: ١٥٥] إلَى قَوْلِهِ {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: ١٥٦] ، وَقَدْ تُعَادُ الْمَعْرِفَةُ مَعْرِفَةً مَعَ الْمُغَايَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: ٤٨] ، وَقَدْ تُعَادُ الْمَعْرِفَةُ نَكِرَةً مَعَ عَدَمِ الْمُغَايَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [فصلت: ٦] ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ هَذَا الْعِلْمُ عِلْمُ كَذَا، وَكَذَا، وَدَخَلْت الدَّارَ فَرَأَيْت دَارًا كَذَا، وَكَذَا، وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمَاسَةِ.

(قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِثْلُ النَّكِرَةِ فِي حَالَتَيْ الْإِعَادَةِ مَعْرِفَةٌ، وَالْإِعَادَةُ نَكِرَةٌ فِي أَنَّهَا إنْ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَ غَيْرُهُ، وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمَتْنِ تَحْتَمِلُ عَكْسَ ذَلِكَ بِأَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً فَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ كَالنَّكِرَةِ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً، وَإِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً فَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ كَالنَّكِرَةِ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً فَسَّرَهُ فِي الشَّرْحِ بِمَا ذَكَرْنَا دَفْعًا لِذَلِكَ التَّوَهُّمِ.

(قَوْلُهُ «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ» ) مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ خَرَجَ إلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَرِحًا مُسْتَبْشِرًا، وَهُوَ يَضْحَكُ، وَيَقُولُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ مُغَايِرٌ لِلْأَوَّلِ فِي النَّكِرَةِ بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ فَتَنْكِيرُ يُسْرًا لِلتَّفْخِيمِ أَوْ لِلْأَفْرَادِ، وَتَعْرِيفُ الْعُسْرِ لِلْعَهْدِ أَيْ الْعُسْرِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَوْ الْجِنْسِ أَيْ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَيَكُونُ الْيُسْرُ الثَّانِي مُغَايِرًا لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْعُسْرِ، وَقَدْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِيهِ نَظَرٌ، وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ هَاهُنَا تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى لِتَقْرِيرِهَا فِي النَّفْسِ، وَتَمْكِينِهَا فِي الْقَلْبِ لِأَنَّهَا تَكْرِيرٌ صَرِيحٌ لَهَا فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْيُسْرِ كَمَا لَا يَدُلُّ قَوْلُنَا إنَّ مَعَ زَيْدٍ كِتَابًا أَنَّ مَعَ زَيْدٍ كِتَابًا عَلَى أَنَّ مَعَهُ كِتَابَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>