للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخَصَّصًا بِقَطْعِيٍّ، وَهُنَا يَثْبُتُ الْقَيْدُ ابْتِدَاءً بِالْقِيَاسِ لَا أَنَّهُ قُيِّدَ أَوَّلًا بِالنَّصِّ ثُمَّ بِالْقِيَاسِ فَيَصِيرُ الْقِيَاسُ هُنَا مُبْطِلًا لِلنَّصِّ) فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَامَّ لَا يُخَصُّ بِالْقِيَاسِ عِنْدَنَا مُطْلَقًا بَلْ إنَّمَا يُخَصُّ إذَا خُصَّ أَوَّلًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَفِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَمْ يُقَيَّدْ الْمُطْلَقُ بِنَصٍّ أَوَّلًا حَتَّى يُقَيَّدَ ثَانِيًا بِالْقِيَاسِ بَلْ الْخِلَافُ فِي تَقْيِيدِهِ ابْتِدَاءً بِالْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ.

(وَقَدْ قَامَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّ الْقَتْلَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ) لِمَا ذَكَرَ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ، وَهُوَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ تَنَزُّلُهُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْجُزْئِيَّةِ، وَذَكَرَ فِيهَا مَانِعًا آخَرَ يَمْنَعُ الْقِيَاسَ، وَهُوَ أَنَّ الْقَتْلَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ فَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي كَفَّارَتِهِ الْإِيمَانُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا دُونَهُ فَإِنَّ تَغْلِيظَ الْكَفَّارَةِ بِقَدْرِ غِلَظِ الْجِنَايَةِ.

(لَا يُقَالُ أَنْتُمْ قَيَّدْتُمْ الرَّقَبَةَ بِالسَّلَامَةِ) هَذَا إشْكَالٌ أَوْرَدَهُ عَلَيْنَا فِي الْمَحْصُولِ، وَهُوَ أَنَّكُمْ قَيَّدْتُمْ الْمُطْلَقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ نَاقِصًا فِي كَوْنِهِ رَقَبَةً، وَهُوَ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ) أَيْ الْكَامِلِ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى مَاءِ الْوَرْدِ فَلَا يَكُونُ حَمْلُهُ عَلَى الْكَامِلِ تَقْيِيدًا.

(وَلَا يُقَالُ أَنْتُمَا قَيَّدْتُمْ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ زَكَاةٌ» بِقَوْلِهِ «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» مَعَ أَنَّهُمَا

ــ

[التلويح]

كَانَ هُنَا مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، وَتَأَمُّلٍ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا أَوْرَدَ عَقِيبَ ذَلِكَ مَسْأَلَةَ امْتِنَاعِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ، وَتَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمُشْتَرَكِ فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ كُلُّ وَاحِدٍ فَمِنْ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ النِّسْبَةُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْمَجْمُوعُ بِأَنْ يُقَالَ رَأَيْت الْعَيْنَ، وَيُرَادُ بِهَا الْبَاصِرَةُ، وَالْجَارِيَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَفِي الدَّارِ الْجَوْنُ أَيْ الْأَسْوَدُ، وَالْأَبْيَضُ، وَأَقْرَأَتْ هِنْدٌ أَيْ حَاضَتْ، وَطَهُرَتْ فَقِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ فِي النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ، وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَمْثِلَةِ بِخِلَافِ صِيغَةِ أَفْعَلَ عَلَى قَصْدِ الْأَمْرِ، وَالتَّهْدِيدِ أَوْ الْوُجُوبِ، وَالْإِبَاحَةِ مَثَلًا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ فَقِيلَ حَقِيقَةٌ، وَقِيلَ مُجَازٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا خَاصَّةً إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَهَذَا مَعْنَى عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ فَالْعَامُّ عِنْدَهُ قِسْمَانِ قِسْمٌ مُتَّفِقُ الْحَقِيقَةِ، وَقِسْمٌ مُخْتَلِفُ الْحَقِيقَةِ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَقِيلَ لَا يُمْكِنُ لِلدَّلِيلِ الْقَائِمِ عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقِيلَ يَصِحُّ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ مِثْلُ الْعُيُونِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُفْرَدِ فَإِنْ جَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>