لِلْمَجْمُوعِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ إنَّمَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلْمَجْمُوعِ، وَوَضْعُهُ لِلْمَجْمُوعِ مُنْتَفٍ أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرْنَا.
(وَلَا مَجَازًا لِاسْتِلْزَامِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ) فَإِنَّ اللَّفْظَ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ مَعًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
(فَإِنْ قِيلَ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الْآيَةَ وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ قُلْنَا لَا اشْتِرَاكَ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ لِإِيجَابِ الِاقْتِدَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ مَعْنَى
ــ
[التلويح]
لَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ كَالْعَامِّ الْمَوْضُوعِ لِلْمَجْمُوعِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَجْمُوعُ، وَدَخَلَ تَحْتَهُ كُلُّ فَرْدٍ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ إرَادَةَ الْمَجْمُوعِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَيْسَتْ إلَّا إرَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا مَجْمُوعٌ يُرَادُ بِاللَّفْظِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ بِخِلَافِ الْعَامِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هُنَا مَجْمُوعٌ يُرَادُ بِاللَّفْظِ، وَيُغَايِرُ كُلًّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَقَدْ تَمَّ الِاعْتِرَاضُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ الْمُرَادُ فَلَمْ يَلْزَمْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إلَّا وَجْهُ أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ النِّزَاعِ هُوَ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ الْمَعَانِي أَوْ أَكْثَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُرَادًا بِاللَّفْظِ، وَمَنَاطًا لِلْحُكْمِ لَا دَاخِلًا تَحْتَ مَعْنًى ثَالِثٍ هُوَ الْمُرَادُ، وَالْمَنَاطُ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَاقَةٌ فَيُرَادُ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ يُنَاسِبُ الْمَوْضُوعَ لَهُ بِعَلَاقَةٍ فَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إذْ لَوْ أُرِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَالتَّقْدِيرُ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ أُرِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ مُنَاسِبٌ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ فَلِذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ يَتَنَاوَلُهُمَا لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَفْرَادِهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ.
وَأَمَّا بِاسْتِعْمَالِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ بِالِاسْتِقْلَالِ، وَسَيَجِيءُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لُزُومُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْمَجْمُوعِ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ فَيَكُونُ حَقِيقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مَجَازًا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْوَضْعِ الثَّالِثِ، وَالْعَلَاقَةِ قُلْنَا سَيَجِيءُ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ مَشْرُوطٌ بِلُزُومٍ، وَاتِّصَالٍ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ الرَّقَبَةِ، وَالشَّخْصِ بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْوَاحِدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَإِطْلَاقِ الْأَرْضِ عَلَى مَجْمُوعِ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِصِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَعُودُ الِاعْتِرَاضُ السَّابِقُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ: لَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي غَايَةِ الرَّكَاكَةِ) لِأَنَّ إيجَابَ الِاقْتِدَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالْحَمْلِ، وَالتَّحْرِيضِ عَلَى مَا صَدَرَ عَنْ الْمُقْتَدَى بِهِ إذْ لَا إيجَابَ اقْتِدَاءٍ فِي مِثْلِ فُلَانٍ يُصَلِّي فَاقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ رَكَاكَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute