الْمُشْتَرَكِ التَّأَمُّلُ حَتَّى يَتَرَجَّحَ أَحَدُ مَعَانِيهِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ لَا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْمَجْمُوعِ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَاضِعَ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ وُضِعَ الْمُشْتَرَكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ بِدُونِ الْآخَرِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ أَيْ لِلْمَجْمُوعِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطْلَقًا، وَالثَّانِي غَيْرُ وَاقِعٍ لِأَنَّ الْوَاضِعَ لَمْ يَضَعْهُ لِلْمَجْمُوعِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ هَذَا صَحِيحٌ اتِّفَاقًا، وَأَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ الْوُقُوعِ يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ اسْتِعْمَالًا فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَإِنْ وُجِدَ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّالِثُ ثَبَتَ الْمُدَّعَى لِأَنَّ الْوَضْعَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَكُلُّ وَضْعٍ يُوجِبُ أَنَّ الْإِيرَادَ بِاللَّفْظِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى بِالْمَوْضُوعِ لَهُ، وَيُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى تَمَامَ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ فَاعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْ الْمَوْضُوعَيْنِ يُنَافِي اعْتِبَارَ الْآخَرِ، وَمَنْ عَرَفَ سَبَبَ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ امْتِنَاعُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ فَقَوْلُهُ: لَا نَعْلَمُ بِوَضْعٍ
ــ
[التلويح]
امْتِنَاعُ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةً فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ الْوَضْعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ إمَّا لِلِابْتِلَاءِ إنْ كَانَ الْوَاضِعُ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِمَّا لِقَصْدِ الْإِبْهَامِ أَوْ لِغَفْلَةٍ مِنْ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ أَوْ لِاخْتِلَافِ الْوَاضِعِينَ إنْ كَانَ غَيْرَهُ، وَالْوَضْعُ هُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةً لَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْسَ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي خُصَّ بِهِ اللَّفْظُ، وَهُوَ بَاطِلٌ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ التَّخْصِيصِ عِنْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْآخَرِ، وَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ مَنْشَؤُهَا اشْتِرَاكُ لَفْظِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ بَيْنَ قَصْرِ الْمُخَصَّصِ عَلَى الْمُخَصَّصِ بِهِ كَمَا يُقَالُ فِي مَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ أَنَّهُ لِتَخْصِيصِ زَيْدٍ بِالْقِيَامِ، وَبَيْنَ جَعْلِ الْمُخَصَّصِ مُنْفَرِدًا مِنْ بَيْنِ الْأَشْيَاءِ بِالْحُصُولِ لِلْمُخَصَّصِ بِهِ كَمَا يُقَالُ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] مَعْنَاهُ نَخُصُّك بِالْعِبَادَةِ، وَفِي ضَمِيرِ الْفَصْلِ أَنَّهُ لِتَخْصِيصِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ بِالْمُسْنَدِ، وَخَصَصْت فُلَانًا بِالذِّكْرِ أَيْ ذَكَرْته، وَحْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِتَخْصِيصِ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى أَيْ تَعْيِينُهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى، وَجَعْلُهُ مُنْفَرِدًا بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ إلَّا هَذَا الْمَعْنَى فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَخْتَارَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ انْفِرَادٍ أَوْ اجْتِمَاعٍ فَيُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ لَهُ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فِي الْآخِرَةِ، وَتَارَةً مَعَ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَالْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ فِي الْحَالَيْنِ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً، وَأَمَّا إنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ مَجَازًا فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا سَيَأْتِي بَيَانُ اللُّزُومِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَجْمُوعُ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مُرَادٌ، وَهُوَ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ يَلْزَمُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ مِنْ اللَّفْظِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَجْمُوعُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ دَاخِلًا فِي الْمُرَادِ لَا نَفْسِ الْمُرَادِ، وَمِثْلُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute