حُلُولِ الْعَرْضِ فِي الْجَوْهَرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الِاتِّصَالَاتِ الْمَذْكُورَةَ إذَا وُجِدَتْ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ تَصْلُحُ عَلَاقَةً لِلْمَجَازِ أَيْضًا (كَالِاتِّصَالِ فِي الْمَعْنَى الْمَشْرُوعِ كَيْفَ شُرِعَ يَصْلُحُ عَلَاقَةً لِلِاسْتِعَارَةِ)
ــ
[التلويح]
الْجُزْءِ سَابِقًا عَلَى فَهْمِ الْكُلِّ لَمْ يَكُنْ الِانْتِقَالُ مِنْ الْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ بَلْ بِالْعَكْسِ فَلَا يَكُونُ الْكُلُّ مَلْزُومًا، وَالْجُزْءُ لَازِمًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّفْسِيرِ قُلْت لَيْسَ مَعْنَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ تَصَوُّرُ اللَّازِمِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فِي الْوُجُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ أَنْ يَكُونَ اللَّازِمُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ عِنْدَ حُصُولِ الْمَلْزُومِ فِي الذِّهْنِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْجُزْءِ مُتَحَقِّقٌ بِصِفَةِ الدَّوَامِ، وَالْوُجُوبِ فَإِنْ قِيلَ احْتِيَاجُ الْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ ضَرُورِيٌّ مُطَّرِدٌ، وَالْمَجْمُوعُ الَّذِي يَكُونُ الْيَدُ أَوْ الرِّجْلُ جُزْءًا مِنْهُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِمَا ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْكُلِّ بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ فَمَا مَعْنَى اشْتِرَاطِ جَوَازِ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ بِأَنْ يَسْتَلْزِمَ الْجُزْءَ لِلْكُلِّ كَالرَّقَبَةِ، وَالرَّأْسِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِمَا بِخِلَافِ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ قُلْنَا هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ حَيْثُ يُقَالُ لِلشَّخْصِ الَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، وَذَلِكَ الشَّخْصُ بِعَيْنِهِ لَا غَيْرُهُ فَاعْتُبِرَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ مَوْجُودًا بِدُونِهِ.
وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَيْنِ عَلَى الرَّقِيبِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ رَقِيبًا لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ كَإِطْلَاقِ اللِّسَانِ عَلَى التُّرْجُمَانِ فَإِنْ قِيلَ مَعْنَى اسْتِلْزَامِ الْجُزْءِ الْكُلَّ يَقْتَضِي كَوْنَ الْجُزْءِ مَلْزُومًا، وَالْكُلِّ لَازِمًا، وَعَدَمُ وُجْدَانِ الْإِنْسَانِ بِدُونِ الرَّأْسِ أَوْ الرَّقَبَةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجُزْءَ لَازِمٌ، وَالْكُلَّ مَلْزُومٌ إذْ الْمُلْزَمُ هُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ بِدُونِ اللَّازِمِ قُلْنَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّا لَا نُرِيدُ بِالْمُسْتَلْزِمِ، وَاللَّازِمِ مُصْطَلَحَ أَهْلِ الْجَدَلِ بَلْ مُصْطَلَحُ أَهْلِ الْحِكْمَةِ، وَالْبَيَانِ، وَهُمْ يَعْنُونَ بِالْمُسْتَلْزِمِ الْمُسْتَتْبَعِ، وَاللَّازِمُ مَا يَتْبَعُهُ فَالْحُكَمَاءُ يَجْعَلُونَ خَوَاصَّ الْمَاهِيَّةِ لَوَازِمَهَا لَا مَلْزُومَاتِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تُوجَدُ بِدُونِ الْمَاهِيَّةِ، وَالْمَاهِيَّةُ قَدْ تُوجَدُ بِدُونِهَا، وَعُلَمَاءُ الْبَيَانِ يَجْعَلُونَ مَبْنَى الْمَجَازِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ، وَمَبْنَى الْكِنَايَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ اللَّازِمِ إلَى الْمَلْزُومِ، وَيَعْنُونَ بِاللَّازِمِ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ، وَالرَّدِيفِ فَكُلٌّ مِنْ الرَّقَبَةِ، وَالرَّأْسِ مَلْزُومٌ، وَأَصْلٌ يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَيَتْبَعُهُ فِي الْوُجُودِ. وَفِي كَوْنِ مَا ذُكِرَ مُصْطَلَحَ أَهْلِ الْحِكْمَةِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ يَقْسِمُونَ الْخَاصَّةَ إلَى لَازِمَةٍ، وَغَيْرِ لَازِمَةٍ، وَإِنَّمَا يُطْلِقُونَ اللَّوَازِمَ عَلَى مَا يَكُونُ مُقْتَضَى الْمَاهِيَّةِ، وَيَمْتَنِعُ انْفِكَاكُهُ عَنْهَا لَا يُقَالُ كُلُّ مَلْزُومٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى لَازِمِهِ فَيَكُونُ اللَّازِمُ أَصْلًا لَهُ، وَمَلْزُومًا بِمَعْنَى كَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ جَرَيَانُ الْأَصَالَةِ، وَالتَّبَعِيَّةِ فِي جَمِيعِ أَقْسَامِ الْمَجَازِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ أُرِيدَ بِاللَّازِمِ مَا يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُهُ عَنْ الشَّيْءِ حَتَّى يَحْتَاجَ الشَّيْءُ إلَيْهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْحُلُولِ) الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ فِي حُلُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute