كَالْمَاءِ، وَالْكُوزِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكُوزِ الْمَاءُ، وَالْمُرَادَ بِالْحُلُولِ الْحُصُولُ فِيهِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ
ــ
[التلويح]
وَصْفٌ لِلْمَلْزُومِ أَعْنِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْجَامِعِ جُزْءًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ شَكْلًا لَهُمَا فَإِنْ قِيلَ فَاللَّازِمُ أَعْنِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الَّذِي أُطْلِقَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مِثْلِ رَأَيْت فِي الْحَمَّامِ أَسَدًا هُوَ زَيْدٌ الشُّجَاعُ مَثَلًا، وَهُوَ لَيْسَ بِوَصْفِ الْمَلْزُومِ أَعْنِي الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَدِ لَازِمُهُ الَّذِي هُوَ الشُّجَاعُ، وَهُوَ وَصْفٌ لَهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِطْلَاقُ عَلَى زَيْدٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الشُّجَاعِ كَمَا إذَا قُلْت رَأَيْت شُجَاعًا، وَهَاهُنَا بُحِثَ، وَهُوَ أَنَّ اللَّازِمَ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظُ الْأَسَدِ مَجَازًا إنْ كَانَ هُوَ الْإِنْسَانَ الشُّجَاعَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ لِلْمَلْزُومِ أَعْنِي الْأَسَدَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الشُّجَاعَ مُطْلَقًا أَعَمَّ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَالْأَسَدِ، وَغَيْرِهِمَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُشَبَّهٍ بِالْأَسَدِ، وَإِنَّمَا الْمُشَبَّهُ هُوَ الْإِنْسَانُ الشُّجَاعُ خَاصَّةً فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْمَجَازُ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَأَيْضًا لَا يَصِحُّ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لَا يَحْصُلُ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَصْلًا ضَرُورَةَ أَنَّ مَعْنَى الْأَسَدِ حَاصِلٌ لِذَاتٍ لَهَا الشَّجَاعَةُ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ يُطْلَبُ مِنْ شَرْحِنَا لِلتَّلْخِيصِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا عَرَفْت) يُرِيدُ أَنَّ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مِمَّا يُصَحِّحُ الْمَجَازَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَبَعْضَهَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى الْمَجَازِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مَعْنَى اللُّزُومِ هَاهُنَا الِانْتِقَالُ فِي الْجُمْلَةِ لَا امْتِنَاعُ الِانْفِكَاكِ فَالْمَلْزُومُ أَصْلٌ، وَمَتْبُوعٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مِنْهُ الِانْتِقَالَ، وَاللَّازِمُ فَرْعٌ، وَتَابِعٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إلَيْهِ الِانْتِقَالَ فَإِنْ كَانَ اتِّصَالُ الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ فَرْعًا مِنْ وَجْهٍ جَازَ اسْتِعْمَالُ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ مَجَازًا وَإِلَّا جَازَ اسْتِعْمَالُ اسْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ دُونَ الْعَكْسِ فَالْعِلَّةُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجِ الْمَعْلُولِ إلَيْهِ، وَابْتِنَائِهِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْلُولُ الْمَقْصُودُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ. وَالْغَايَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُولَةً لِلْفَاعِلِ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ فِي الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهَا فِي الذِّهْنِ عِلَّةٌ لِفَاعِلِيَّتِهِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا قَالُوا الْأَحْكَامُ عِلَلٌ مَآلِيَّةٌ، وَالْأَسْبَابُ عِلَلٌ آلِيَّةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ احْتِيَاجَ النَّاسِ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ إلَى الْأَحْكَامِ دُونَ الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا قَالَ كَالْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ دُونَ السَّبَبِ مَعَ الْمُسَبِّبِ كَمَا فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْعَلَاقَةِ لِأَنَّ مِنْ السَّبَبِ مَا هُوَ سَبَبٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ، وَالْمُسَبِّبُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَجَازًا كَمَا سَيَجِيءُ، وَالْكُلُّ أَصْلٌ يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْجُزْءُ فِي الْحُصُولِ مِنْ اللَّفْظِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ اسْمِ الْكُلِّ بِوَاسِطَةِ أَنَّ فَهْمَ الْكُلِّ مَوْقُوفٌ عَلَى فَهْمِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ التَّضَمُّنُ تَابِعٌ لِلْمُطَابَقَةِ، وَالتَّبَعِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تُنَافِي كَوْنَ فَهْمِ الْجُزْءِ سَابِقًا عَلَى فَهْمِ الْكُلِّ، وَالْجُزْءُ أَصْلٌ بِاعْتِبَارِ احْتِيَاجِ الْكُلِّ إلَيْهِ فِي الْوُجُودِ، وَالتَّعَقُّلِ، وَفِي هَذَا تَسْلِيمُ مَا مَنَعَهُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ مِنْ اطِّرَادِ تَعْرِيفِ الْأَصْلِ بِالْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَإِنْ قُلْت لَمَّا كَانَ فَهْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute