للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُرَادُ بِالسَّبَبِ الْمَحْضِ مَا يُفْضِي إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يَكُونُ شَرْعِيَّتُهُ لِأَجْلِهِ كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ إذْ لَيْسَ شَرْعِيَّتُهُ لِأَجْلِ حُصُولِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مَشْرُوعٌ مَعَ امْتِنَاعِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ كَمَا فِي الْعَبْدِ، وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَنَحْوِهِمَا (فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ.

(فَإِنَّ الْعِتْقَ وُضِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَالطَّلَاقِ، لِإِزَالَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَتِلْكَ الْإِزَالَةُ سَبَبٌ لِهَذِهِ) أَيْ إزَالَةُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِإِزَالَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ إذْ هِيَ تُفْضِي إلَيْهَا، (وَلَيْسَتْ هَذِهِ) أَيْ إزَالَةُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ.

(مَقْصُودَةً مِنْهَا) أَيْ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) لِمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسَبِّبُ مَقْصُودًا مِنْ السَّبَبِ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ.

(وَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ أَيْضًا بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ) جَوَابُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ، وَلَا بُدَّ فِي الِاسْتِعَارَةِ مِنْ وَصْفٍ مُشْتَرَكٍ فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا إسْقَاطٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ، وَاللُّزُومِ) اعْلَمْ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ إمَّا إثْبَاتَاتٌ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَنَحْوِهَا وَإِمَّا إسْقَاطَاتٌ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَنَحْوِهَا فَإِنَّ فِيهَا إسْقَاطَ الْحَقِّ، وَالْمُرَادُ بِالسِّرَايَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْكُلِّ بِسَبَبِ ثُبُوتِهِ فِي الْبَعْضِ، وَبِاللُّزُومِ عَدَمُ قَبُولِ الْفَسْخِ، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا.

(لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِكُلِّ، وَصْفٍ بَلْ بِمَعْنَى الْمَشْرُوعِ كَيْفَ شَرَعَ، وَلَا اتِّصَالَ بَيْنَهُمَا فِيهِ) أَيْ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ، وَالطَّلَاقِ فِي مَعْنَى الْمَشْرُوعِ كَيْفَ شُرِعَ (لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ، وَالْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) فَإِنَّ فِي الْمَنْقُولَاتِ اُعْتُبِرَتْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةُ، وَمَعْنَى الْعِتْقِ لُغَةً الْقُوَّةُ يُقَالُ عَتَقَ الطَّائِرُ إذَا قَوِيَ، وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ، وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ، وَيُقَالُ عَتَقَتْ الْبِكْرُ إذَا أَدْرَكَتْ، وَقَوِيَتْ فَنَقَلَهُ الشَّرْعُ إلَى الْقُوَّةِ الْمَخْصُوصَةِ.

(فَإِنْ

ــ

[التلويح]

أَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ سَبَبًا مَحْضًا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمُسَبِّبِ، وَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْمُسَبِّبِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعِتْقَ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفُ الَّذِي هُوَ الْإِعْتَاقُ مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ لِغَرَضِ إزَالَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُنَافِيًا لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ لَا إزَالَةُ الْمِلْكِ فَإِنْ قِيلَ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَجَازِ هُوَ السَّبَبِيَّةُ، والمسببية بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ لِيَكُونَ إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ مَثَلًا، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ قُلْنَا قَدْ يُقَامُ الْغَرَضُ مِنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَقَامَهُ، وَيَجْعَلُهُ كَأَنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيُسْتَعْمَلُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ فِي مُسَبِّبِهِ مَجَازًا كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ الْمَوْضُوعِينَ لِغَرَضِ إثْبَاتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الِاسْتِعَارَةَ لَا تَصِحُّ بِكُلِّ وَصْفٍ لِلْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ اسْتِعَارَةِ السَّمَاءِ لِلْأَرْضِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُودِ، وَالْحُدُوثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفٍ مَشْهُورٍ لَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ بِالْمُسْتَعَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>