للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التلويح]

الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِالنَّوْعِ فَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَضْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَكِ فَمَنْ جَوَّزَ ذَاكَ جَوَّزَ هَذَا، وَمَنْ لَا فَلَا. وَأَمَّا إرَادَةُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِفْتَاحِ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا يُقَالُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ جُزْءٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ فِي اعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مَوْجُودًا مُتَحَقِّقًا لَهُ اسْمٌ وَاحِدٌ لَازِمًا لِلْجُزْءِ بِمَعْنَى انْتِقَالِ الذِّهْنَ مِنْ الْجُزْءِ إلَيْهِ كَالْإِنْسَانِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَالْأَسَدُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بِاعْتِبَارٍ مَحْضٍ، وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَثْبُتْ فِي اللُّغَةِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْأَرْضِ عَلَى مَجْمُوعِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَفْظِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْآدَمِيِّ وَالسَّبُعِ ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّ امْتِنَاعَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَالْقَوْمُ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى امْتِنَاعِهِ عَقْلًا مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ مَتْبُوعٌ وَالْمَجَازِيَّ تَابِعٌ عَلَى مَا مَرَّ، وَالتَّابِعُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَتْبُوعِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِرَادَةِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ، الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلِّ لِلَّفْظِ، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَكُونُ مُسْتَقِرًّا فِي مَحَلٍّ، وَمُتَجَاوِزٍ إيَّاهُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ إرَادَةُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِمَكَانِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَعَدَمِ إرَادَتِهِ لِلْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الْقَرِينَةِ وَالْمَجَازَ يُوجِبُ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهَا، وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ. الْخَامِسُ: أَنَّ اللَّفْظَ لِلْمَعْنَى بِمَنْزِلَةِ اللِّبَاسِ لِلشَّخْصِ فَيَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُهُ لِمَعْنَيَيْنِ هُوَ حَقِيقَةٌ لِأَحَدِهِمَا مَجَازٌ لِلْآخَرِ كَمَا يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقَيْ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ بَلْ كَمَا يَمْتَنِعُ اكْتِسَاءُ شَخْصَيْنِ ثَوْبًا وَاحِدًا فِي آنٍ وَاحِدٍ يَلْبَسُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَمَامِهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكٌ لِأَحَدِهِمَا، وَعَارِيَّةٌ لِلْآخَرِ، وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي رُجْحَانِ الْمَتْبُوعِ إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَةِ التَّابِعِ أَيْضًا مِثْلَ رَأَيْت أَسَدَيْنِ يَرْمِي أَحَدُهُمَا، وَيَفْتَرِسُ الْآخَرُ، وَلَا خَفَاءَ فِي جَوَازِ إرَادَةِ التَّابِعِ فَقَطْ بِمَعُونَةِ الْقَرِينَةِ فَضْلًا عَنْ إرَادَتِهِ مَعَ إرَادَةِ الْمَتْبُوعِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى إلَّا إرَادَتُهُ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَصَوُّرِ اسْتِقْرَارِهِ وَحُلُولِهِ فِي الْمَعْنَى، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ إرَادَةَ غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ تُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْمَجْمُوعُ أَوْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَاخِلًا تَحْتَ الْمُرَادِ؟ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ اسْتِغْنَاءَ الْحَقِيقَةِ عَنْ الْقَرِينَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ يُفْهَمُ بِلَا قَرِينَةٍ، وَهُوَ لَا يُنَافِي نَصْبَ الْقَرِينَةِ عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَيْضًا، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْمَجَازَ يَفْتَقِرُ إلَى قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيُنَافِي الْحَقِيقَةَ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ لَا كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا مَعًا، وَالْمَشْرُوطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>