للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّشْبِيهِ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّشْبِيهِ مَا هُوَ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَرَضًا لِلِاسْتِعَارَةِ أَيْضًا وَفِي فَصْلِ الْمَجَازِ أَنَّ الْمَجَازَ رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُفِيدًا وَرُبَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا وَلَا يَكُونُ فِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي التَّشْبِيهِ وَرُبَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا وَيَكُونُ فِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي التَّشْبِيهِ كَالِاسْتِعَارَةِ.

(فَصْلٌ وَقَدْ تُجْرَى الِاسْتِعَارَةُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْحُرُوفِ) ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ أَنَّ

ــ

[التلويح]

تُسَمَّى تَبَعِيَّةٍ لِأَنَّهَا تُجْرَى أَوَّلًا فِي الْمَصْدَرِ ثُمَّ بِتَبَعِيَّةٍ فِي الْفِعْلِ، وَمَا يُشْتَقُّ مِنْهُ مَثَلًا يُقَدَّرُ فِي نَطَقَتْ الْحَالُ أَوْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا تَشْبِيهُ دَلَالَةِ الْحَالِ يَنْطِقُ النَّاطِقُ فَيُسْتَعَارُ النُّطْقُ لِلدَّلَالَةِ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ نَطَقَتْ بِمَعْنَى دَلَّتْ، وَنَاطِقَةٌ بِمَعْنَى دَالَّةٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُشَبَّهِ، وَالْمُشَبَّهِ بِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِوَجْهِ الشَّبَهِ، وَالصَّالِحُ لِلْمَوْصُوفِيَّةِ هُوَ الْحَقَائِقُ دُونَ الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْهَا، وَلَنَا فِيهِ كَلَامٌ يُطْلَبُ مِنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ فَعُقِدَ هَذَا الْفَصْلُ لِبَيَانِ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ التَّبَعِيَّةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ بَلْ تَجْرِي فِي الْحُرُوفِ أَيْضًا فَيُعْتَبَرُ التَّشْبِيهُ أَوَّلًا فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَى الْحَرْفِ، وَتُجْرَى فِيهِ الِاسْتِعَارَةُ ثُمَّ بِتَبَعِيَّةِ ذَلِكَ فِي الْحَرْفِ نَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ بِمُتَعَلِّقِ مَعْنَى الْحَرْفِ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عِنْدَ تَفْسِيرِ مَعَانِي الْحُرُوفِ حَيْثُ يُقَالُ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَإِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، وَفِي لِلظَّرْفِيَّةِ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهَذِهِ لَيْسَتْ مَعَانِيَهَا، وَإِلَّا لَكَانَتْ أَسْمَاءً لَا حُرُوفًا، وَإِنَّمَا هِيَ مُتَعَلِّقَاتُ مَعَانِيهَا بِمَعْنَى أَنَّ مَعَانِي تِلْكَ الْحُرُوفِ رَاجِعَةٌ إلَى هَذِهِ بِنَوْعِ اسْتِلْزَامٍ كَذَا فِي الْمِفْتَاحِ مِثَالُ ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨] ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ

شَبَّهَ تَرَتُّبَ الْعَدَاوَةِ عَلَى الِالْتِقَاطِ، وَتَرَتُّبَ الْمَوْتِ عَلَى الْوِلَادَةِ بِتَرَتُّبِ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ لِلْفِعْلِ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ فِي الْمُشَبَّهِ اللَّامَ الْمَوْضُوعَةَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَرَتُّبِ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمُشَبَّهُ بِهِ فَجَرَتْ الِاسْتِعَارَةُ أَوَّلًا فِي الْعِلِّيَّةِ، وَالْغَرَضِيَّةِ، وَبِتَبَعِيَّتِهَا فِي اللَّازِمِ، وَصَارَتْ اللَّامُ بِوَاسِطَةِ اسْتِعَارَتِهَا لِمَا يُشْبِهُ الْعِلِّيَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْأَسَدِ الْمُسْتَعَارِ لِمَا يُشْبِهُ الْهَيْكَلَ الْمَخْصُوصَ، وَهَذَا وَاضِحٌ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرَ زِيَادَةَ تَدْقِيقٍ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيلَ يُسْتَعَارُ أَوَّلًا لِلتَّعْقِيبِ لِكَوْنِهِ لَازِمًا لِلتَّعْلِيلِ فَيُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ التَّعْقِيبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَعْقِيبَ الْمَعْلُولِ لِلْعِلَّةِ أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ يُسْتَعَارُ لَامُ التَّعْلِيلِ لِلتَّعْقِيبِ كَمَا يُسْتَعَارُ لَفْظُ الْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبُعًا وَإِنْسَانًا، وَيَقَعُ عَلَى تَعْقِيبِ غَيْرِ الْمَعْلُولِ لِلْعِلَّةِ كَتَعْقِيبِ الْمَوْتِ لِلْوِلَادَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَعْقِيبٌ كَمَا يَقَعُ أَسَدٌ عَلَى زَيْدٍ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ شُجَاعًا فَيَكُونُ تَعْقِيبُ الْمَوْتِ لِلْوِلَادَةِ مُشَبَّهًا بِتَعْقِيبِ الْمَعْلُولِ لِعِلَّتِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ جَعَلَ كَأَنَّ الْوِلَادَةَ عِلَّةٌ لِلْمَوْتِ أَيْ جَعَلَ الْمَوْتَ كَأَنَّ الْوِلَادَةَ عِلَّةٌ لَهُ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ اللَّامِ فِي تَعْقِيبِ الْمَوْتِ لِلْوِلَادَةِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ، وَلَمَّا كَانَ هَاهُنَا اعْتِرَاضٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا بَعْدَ اللَّامِ يَكُونُ عِلَّةً لَا مَعْلُولًا، وَالْعِلَّةُ تَكُونُ مُتَقَدِّمَةً لَا مُتَعَقِّبَةً فَلَا مَعْنَى لِاسْتِعَارَةِ التَّعْلِيلِ لِلتَّعْقِيبِ، وَاسْتِعْمَالِ اللَّامِ فِيهِ أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>