للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِعَارَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ اسْتِعَارَةٌ أَصْلِيَّةٌ وَهِيَ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَاسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ وَهِيَ فِي الْمُشْتَقَّاتِ وَالْحُرُوفِ وَإِنَّمَا قَالُوا هِيَ تَبَعِيَّةٌ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ فِي الْمُشْتَقَّاتِ لَا تَقَعُ إلَّا بِتَبَعِيَّةِ وُقُوعِهَا فِي الْمُشْتَقِّ مِنْهُ كَمَا تَقُولُ الْحَالُ نَاطِقَةٌ أَيْ دَالَّةٌ فَاسْتُعِيرَ النَّاطِقَةُ لِلدَّلَالَةِ بِتَبَعِيَّةِ اسْتِعَارَةِ النُّطْقِ لِلدَّلَالَةِ وَكَذَا الِاسْتِعَارَةُ فِي الْحُرُوفِ (فَإِنَّ الِاسْتِعَارَةَ تَقَعُ أَوَّلًا فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَى الْحَرْفِ ثُمَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَرْفِ كَاللَّامِ مَثَلًا فَيُسْتَعَارُ أَوَّلًا التَّعْلِيلُ لِلتَّعْقِيبِ (فَإِنَّ التَّعْقِيبَ لَازِمٌ لِلتَّعْلِيلِ فَإِنَّ الْمَعْلُولَ يَكُونُ عَقِيبَ الْعِلَّةِ فَيُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ التَّعْقِيبُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَعْقِيبُ الْعِلَّةِ الْمَعْلُولَ أَوْ غَيْرَهُ) ثُمَّ بِوَاسِطَتِهَا أَيْ بِوَاسِطَةِ اسْتِعَارَةِ التَّعْلِيلِ لِلتَّعْقِيبِ (يُسْتَعَارُ اللَّامُ لَهُ) أَيْ لِلتَّعْقِيبِ نَحْوَ

(لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ)

لَمَّا كَانَ الْمَوْتُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ جُعِلَ كَأَنَّ الْوِلَادَةَ عِلَّةٌ لِلْمَوْتِ فَاسْتَعْمَلَ لَامَ التَّعْلِيلِ وَأُرِيدَ أَنَّ الْمَوْتَ وَاقِعٌ بَعْدَ الْوِلَادَةِ قَطْعًا بِلَا تَخَلُّفٍ كَوُقُوعِ الْمَعْلُولِ عَقِيبَ الْعِلَّةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ تَدْخُلُ فِي الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ وَهِيَ الْغَرَضُ بِلَا شَكٍّ أَنَّهُ مَعْلُولٌ لِلْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ اللَّامَ الدَّاخِلَةَ فِي الْغَرَضِ دَاخِلَةٌ حَقِيقَةً عَلَى الْمَعْلُولِ

ــ

[التلويح]

أَنَّ اللَّامَ تَدْخُلُ عَلَى الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْغَرَضُ مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ اللَّامُ، وَالْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَاهِيَّتِهَا عِلَّةً لِعِلِّيَّةِ الْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ، وَمُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا فِي الذِّهْنِ لَكِنَّهَا مَعْلُولَةٌ فِي الْخَارِجِ لِلْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ وَمُتَأَخِّرَةٌ عَنْهَا بِحَسَبِ الْوُجُودِ كَالْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ مَثَلًا يُتَصَوَّرُ أَوَّلًا فَيَصِيرُ عِلَّةً لِإِقْدَامِ النَّجَّارِ عَلَى إيجَادِ السَّرِيرِ لَكِنَّهُ فِي الْخَارِجِ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَيَكُونُ مَا بَعْدَ اللَّامِ مَعْلُولًا بِحَسَبِ الْخَارِجِ، وَمُتَعَقِّبًا فِي الْوُجُودِ لِلْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ بِهِ فَيَصِحُّ اسْتِعْمَالُهَا فِي تَعْقِيبِ غَيْرِ الْمَعْلُولِ لِلْعِلَّةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ فَقَوْلُهُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَعْقِيبُ الْعِلَّةِ الْمَعْلُولَ إنْ كَانَ الْمَعْلُولُ مَرْفُوعًا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَمَعْنَاهُ تَعْقِيبُ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ فِعْلَهَا الْمُعَلَّلَ بِهَا يُقَالُ عَقَبْتُهُ أَيْ جِئْت عَلَى عَقِبِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَكَلُّفٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيلِ هُوَ بَيَانُ الْعِلِّيَّةِ لَا بَيَانُ الْمَعْلُولِيَّةِ فَاللَّامُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَجْرُورَهَا عِلَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ مَعْلُولًا بِاعْتِبَارٍ كَمَا فِي ضَرَبْته لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لَا كَمَا فِي قَعَدْت عَنْ الْحَرْبِ لِلْجُبْنِ، وَإِذَا كَانَ مَعْلُولًا بِاعْتِبَارٍ فَدُخُولُ اللَّامِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ عِلِّيَّتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ مَعْلُولِيَّتِهِ، وَكَوْنُهُ عِلَّةً غَائِيَّةً كَافٍ فِي اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَعْلُولًا لَا يُقَالُ الْعِلَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ عِلَّةٌ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِيه الْمَعْلُولُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْقَوْمِ أَنَّ تَرَتُّبَ الْمَعْلُولِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ اُسْتُعِيرَ لِتَرَتُّبِ مَا لَيْسَ بِمَعْلُولٍ وَغَرَضٍ فَتَكُونُ الِاسْتِعَارَةُ فِي الْمَعْلُولِيَّةِ لَا فِي الْعِلِّيَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهِيَ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ) أَرَادَ بِاسْمِ الْجِنْسِ مَا لَيْسَ بِصِفَةٍ فَيَكُونُ أَخَصَّ مِمَّا هُوَ مُصْطَلَحُ النُّحَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>