وَهَاهُنَا نَذْكُرُ حُرُوفًا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَتُسَمَّى حُرُوفَ الْمَعَانِي مِنْهَا حُرُوفُ الْعَطْفِ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِالنَّقْلِ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَاسْتِقْرَاءِ مَوَاضِعِ اسْتِعْمَالِهَا وَهِيَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَالْأَلِفِ بَيْنَ الْمُتَّحِدَيْنِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ جَاءَ رَجُلَانِ وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فَأَدْخَلُوا
ــ
[التلويح]
قَوْلُهُ (وَهَاهُنَا نَذْكُرُ حُرُوفًا) قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْبَحْثِ عَنْ مَعَانِي بَعْضِ الْحُرُوفِ وَالظُّرُوفِ عَقِيبَ بَحْثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِاشْتِدَادِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا مِنْ جِهَةِ تَوَقُّفٍ شَطْرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ عَلَيْهَا وَكَثِيرًا مَا يُسَمَّى الْجَمِيعُ حُرُوفًا تَغْلِيبًا أَوْ تَشْبِيهًا لِلظُّرُوفِ بِالْحُرُوفِ فِي الْبِنَاءِ وَعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا فِي الثَّانِي مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، أَوْ إطْلَاقًا لِلْحَرْفِ عَلَى مُطْلَقِ الْكَلِمَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرَادَ بِالْحُرُوفِ حَقِيقَتَهَا، وَلِهَذَا سَمَّاهَا حُرُوفَ الْمَعَانِي ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَسْمَاءَ لَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْحُرُوفِ، وَتَسْمِيَتُهَا حُرُوفَ الْمَعَانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَضْعَهَا لِمَعَانٍ تَتَمَيَّزُ بِهَا مِنْ حُرُوفِ الْمَبَانِي الَّتِي بُنِيَتْ الْكَلِمَةُ عَلَيْهَا وَرُكِّبَتْ مِنْهَا فَالْهَمْزَةُ الْمَفْتُوحَةُ إذَا قُصِدَ بِهَا الِاسْتِفْهَامُ أَوْ النِّدَاءُ فَهِيَ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي، وَإِلَّا فَمِنْ حُرُوفِ الْمَبَانِي.
(قَوْلُهُ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ) أَيْ جَمْعِ الْأَمْرَيْنِ وَتَشْرِيكِهِمَا فِي الثُّبُوتِ مِثْلُ قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ عَمْرٌو أَوْ فِي حُكْمٍ نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو أَوْ فِي ذَاتٍ نَحْوُ قَامَ وَقَعَدَ زَيْدٌ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعِيَّةِ وَالْمُقَارَنَةِ أَيْ الِاجْتِمَاعِ فِي الزَّمَانِ كَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ، وَنُسِبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا عَلَى التَّرْتِيبِ أَيْ تَأَخُّرِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا فِي الزَّمَانِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَنُسِبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ النَّقْلُ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ حَتَّى ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ الثَّانِي اسْتِقْرَاءُ مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِهَا فَإِنَّا نَجِدُهَا مُسْتَعْمَلَةً فِي مَوَاضِعَ لَا يَصِحُّ فِيهَا التَّرْتِيبُ أَوْ الْمُقَارَنَةُ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ الْمُقَارَنَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مَعْدُولًا عَنْ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ تَشَارَكَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَاخْتَصَمَ بَكْرٌ وَخَالِدٌ، وَالْمَالُ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَسِيَّانِ قِيَامُك وَقُعُودُك، وَجَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَقَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ الثَّالِثُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْوَاوَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْأَلِفِ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ الْمُتَّحِدَيْنِ فَكَمَالُ دَلَالَةٍ لِمِثْلِ جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَى مُقَارَنَةٍ أَوْ تَرْتِيبٍ إجْمَاعًا فَكَذَا جَاءَنِي رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ الْأَلِفُ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ الْمُتَّحِدَيْنِ تَسَامُحًا الرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا تَأْكُلْ السَّمَكَ وَتَشْرَبَ اللَّبَنَ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ بَعْدَ أَكْلِ السَّمَكِ جَازَ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ نَصَبَ تَشْرَبَ بِإِضْمَارِ أَنْ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَصْدَرٍ مَأْخُوذٍ مِنْ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ أَيْ لَا يَكُنْ مِنْك أَكْلُ السَّمَكِ، وَشُرْبُ اللَّبَنِ فَلَوْ كَانَتْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ لَمَا صَحَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَمَا لَا تَصِحُّ الْفَاءُ وَثُمَّ لِإِفَادَتِهِمَا النَّهْيَ عَنْ الشُّرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute