وَاوَ الْعَطْفِ (وَقَوْلُهُمْ لَا تَأْكُلْ السَّمَكَ وَتَشْرَبَ اللَّبَنَ) أَيْ لَا تَجْمَعْ بَيْنَهُمَا (فَلِهَذَا لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ وَأَمَّا فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى» لَا بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ كَوْنَهُمَا مِنْ الشَّعَائِرِ لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ التَّرْتِيبُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى» لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَدَاءَتَهُ تَعَالَى مُوجِبَةٌ لِبَدَاءَتِكُمْ لَكِنَّ تَقْدِيمَهُ
ــ
[التلويح]
بَعْدَ الْأَكْلِ لَا مُتَقَدِّمًا وَلَا مُقَارِنًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ لَا يَنْفِي الْمُقَارَنَةَ إلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَهَمَّ نَفْيُ التَّرْتِيبِ.
(قَوْلُهُ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِسَلْبِ التَّعْلِيلِ أَيْ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِنَاءً عَلَى تَعَاطُفِهَا بِالْوَاوِ، وَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، وَأَنْ يَكُونَ لِتَعْلِيلِ السَّلْبِ أَيْ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْعَطْفِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لَا يُقَالُ قَوْلُهُ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَسْلُ الْوَجْهِ عَقِيبَ إرَادَةِ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ مُقَدَّمًا عَلَى غَسْلِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّرْتِيبُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ غَسْلِ الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فِي الْبَوَاقِي، لِأَنَّا نَقُولُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْفَاءِ هُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ فَلَا يَقْتَضِي إلَّا كَوْنَهُ عَقِيبَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا بَيْنَهَا لَا يُقَالُ لِكُلِّ عُضْوٍ غَسْلٌ عَلَى حِدَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، وَاغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يُعْقِبَ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ خَاصَّةً لِأَنَّا نَقُولُ تَعَدُّدُ الْأَفْعَالِ بِحَسَبِ الْمَحَالِّ لَا يُوجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ أَفْعَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِنَا غَسَلْت الْأَعْضَاءَ، وَضَرَبْت الْقَوْمَ، وَبِدَلِيلِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ {وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦] مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدِ دُونَ الْجُمْلَةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِلْعَبْدِ إذَا دَخَلْتَ السُّوقَ فَاشْتَرِ لَحْمًا وَخُبْزًا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ تَقْدِيمُ اشْتِرَاءِ اللَّحْمِ، وَلَا يُعَدُّ بِتَقْدِيمِ الْخُبْزِ عَاصِيًا، لَا يُقَالُ فَيَلْزَمُ تَقْدِيمُ الْغَسْلِ عَلَى الْمَسْحِ عَمَلًا بِمُوجِبِ الْفَاءِ وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ لِأَنَّا نَقُولُ الْوَظِيفَةُ فِي الرَّأْسِ الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ فَكَأَنَّهُ هُوَ هُوَ فَلَا يَلْزَمُ عَقِيبَ إرَادَةِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا الْغُسْلُ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَجِبُ فِيمَا بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَالْجَوَابُ الْقَاطِعُ لِأَصْلِ السُّؤَالِ مَنْعُ دَلَالَةِ الْفَاءِ الْجَزَائِيَّةِ عَلَى لُزُومِ تَعْقِيبِ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ لِمَضْمُونِ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: ٩] الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ عَقِيبَ النِّدَاءِ بِلَا تَرَاخٍ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ تَرْكِ الْبَيْعِ عَلَى السَّعْيِ.
١ -
(قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي السَّعْيِ) اسْتَدَلَّ عَلَى كَوْنِ الْوَاوِ لِلتَّرْتِيبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى « {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] ، وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute