للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] وَقُلْنَا ذَكَرَ الْأَجْزِيَةَ مُقَابِلَةً لِأَنْوَاعِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ عَادَةً مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَتْلٍ وَأَخْذِ مَالٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ تَخْوِيفٍ (فَالْقَتْلُ جَزَاؤُهُ الْقَتْلُ وَالْقَتْلُ وَالْأَخْذُ جَزَاؤُهُ الصَّلْبُ وَأَخْذُ الْمَالِ جَزَاؤُهُ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالتَّخْوِيفُ جَزَاؤُهُ النَّفْيُ أَيْ الْحَبْسُ الدَّائِمُ) عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُهُ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ فَإِنْ أَخَذَ وَقَتَلَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ شَاءَ قَطَعَ ثُمَّ قَتَلَ أَوْ صَلَبَ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ أَوْ صَلَبَ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَحْتَمِلُ الِاتِّحَادَ وَالتَّعَدُّدَ وَلِهَذَا قَالَا فِي هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا مُشِيرًا إلَى عَبْدِهِ وَدَابَّتِهِ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ وَضْعَهُ لِأَحَدِهِمَا الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِعِتْقٍ هُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدِ لِلْعَيْنِ مَجَازًا إذْ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ مُتَعَذِّرٌ وَلَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ الثَّلَاثَةِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا وَهَذَا يُعْتَقُ الثَّالِثُ وَيُخَيَّرُ فِي الْأَوَّلَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَانِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرَيْنِ لَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى قَوْلِنَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَهَذَا أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَقْدِيرُهُ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَهَذَا حُرٌّ وَعَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ يَكُونُ تَقْدِيرُهُ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَانِ حُرَّانِ

ــ

[التلويح]

إخْبَارَ الْحَقِيقَةِ، وَلُغَةً.

(قَوْلُهُ وَيَكُونُ هَذَا إنْشَاءً) لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ إنْشَاءٌ، وَإِنَّمَا نَزَلَ فِي مُبْهَمٍ لَا فِي مُعَيَّنٍ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي غَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ، وَالْعِتْقُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُعَيَّنِ بِالْبَيَانِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْإِنْشَاءِ.

(قَوْلُهُ أَيُّهُمَا تَصَرَّفَ صَحَّ) حَتَّى لَوْ بَاعَهُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ صَحَّ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ، وَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِ الْمُوَكِّلِ.

(قَوْلُهُ وَقُلْنَا ذَكَرَ الْأَجْزِيَةَ مُقَابِلَةً لِأَنْوَاعِ الْجِنَايَةِ) ، وَالْجَزَاءُ مِمَّا يَزْدَادُ بِازْدِيَادِ الْجِنَايَةِ، وَيَنْتَقِصُ بِنُقْصَانِهَا، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] فَيَبْعُدُ مُقَابَلَةُ أَغْلَظِ الْجِنَايَةِ بِأَخَفِّ الْجَزَاءِ، وَبِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالتَّخْيِيرِ الظَّاهِرِ مِنْ الْآيَةِ فَوُزِّعَتْ الْجُمَلُ الْمَذْكُورَةُ فِي مَعْرِضِ الْجَزَاءِ عَلَى أَنْوَاعِ الْجِنَايَةِ الْمُتَفَاوِتَةِ الْمَعْلُومَةِ عَادَةً حَسَبَ مَا تَقْتَضِيهِ الْمُنَاسَبَةُ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادَعَ أَبَا بُرْدَةَ عَلَى أَنْ لَا يُعِينَهُ، وَلَا يُعِينَ عَلَيْهِ فَجَاءَهُ أُنَاسٌ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ فَقَطَعَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُهُ الطَّرِيقَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْحَدِّ فِيهِمْ أَنَّ مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ صُلِبَ، وَمَنْ قَتَلَ، وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ قُتِلَ، وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَمَنْ جَاءَ مُسْلِمًا هَدَمَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الشِّرْكِ» ، وَفِي رِوَايَةِ عَطِيَّةَ عَنْهُ «، وَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ، وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلْ نُفِيَ» ، وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ جَمَاعَةٍ قَطَعُوا الطَّرِيقَ، وَوَقَعَ مِنْهُمْ أَحَدُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ أَجْرَى عَلَى مَجْمُوعِهِمْ الْجَزَاءَ الْمُقَابِلَ لِذَلِكَ النَّوْعِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ يَجْرِي عَلَيْهِ جَزَاءُ مَا صَدَرَ عَنْهُ فَإِنْ قُلْت قَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَيْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>